ستسقط أميركا سقوطاً ذريعاً، وستفقد ما تبقى لها من احترام في هذه المنطقة، إن هي طأطأت رأسها كالعادة لنزوات بنيامين نتنياهو واستفزازاته، وآخرها إعلان بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، وذلك في اليوم ذاته الذي تم فيه الاتفاق بين جورج ميتشيل والفلسطينيين على "المفاوضات عن قرب" أو المفاوضات غير المباشرة، حسب الاصطلاح الدارج، التي أيدتها لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الأخير في القاهرة، واعطتها سقفاً زمنياً مدته أربعة أشهر.
وبالطبع ومن قبيل الحفاظ على ماء الوجه فقد أدانت واشنطن على لسان جوزيف بايدن نفسه، الموجود في إسرائيل والضفة الغربية قبل انتقاله إلى عمَّان، هذا التصعيد الإسرائيلي، لكن هذه الإدانة لن يكون لها أي أثر على مجريات الأحداث، كما جرت العادة، وستكون في أفضل الأحوال وفقاً للمثل العربي القائل: "أشبعتهم شتْماً وفازوا بالإبل". وهذا يعني أن طرح الولايات المتحدة نفسها في هذا الصراع المعقد، كوسيط نزيه، كذبة كبرى، فالوسيط النزيه هو الذي يقف على مسافة واحدة بين الطرفين المتصارعين، أما وساطة أميركا فإنها، سابقاً ولاحقاً وربما مستقبلاً، انحياز كامل للإسرائيليين، مما يجعل أنه من الأفضل للفلسطينيين أن يتفاوضوا مع الأميركيين، على اعتبار أنهم أكثر حرصاً على المصالح الإسرائيلية من الإسرائيليين أنفسهم. إنها معادلة مكسورة بالفعل، وإنه أمر طبيعي أن يتخذ بنيامين نتنياهو هذه الخطوة التصعيدية والاستفزازية، التي قصد من خلالها توجيه إهانة إلى الفلسطينيين والعرب الذين اتخذوا قرار تأييد "المفاوضات غير المباشرة"، من خلال لجنة المتابعة التي اجتمعت مؤخراً في القاهرة، عندما يلمس من جوزيف بايدن استخذاء غير مسبوق، وعندما يسمع منه: "ان أساس علاقاتنا هو الالتزام المطلق والتام والثابت بأمن إسرائيل"، فهذا هو الذي شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن يركب رأسه، ويعلن، بكل وقاحة، قرار حكومته بناء 1600 وحدة استيطانية، بينما المفترض أن يلتزم على الأقل وقف عمليات الاستيطان خلال مهلة الأشهر الأربعة لهذه المفاوضات غير المباشرة. والآن وقد حصل ما حصل واكتفت الولايات المتحدة بمجرد إبداء الامتعاض المشفوع بإدانة غير مؤكدة فإن المفترض ألا يعود جورج ميتشيل إلى المنطقة ليبدأ مهمة تقصَّد الإسرائيليون اغتيالها قبل أن تبدأ، إذ ماذا من الممكن مناقشته مع الفلسطينيين، وبالتالي مع العرب، مادام بنيامين نتنياهو فعل هذا الذي فعله، ومادام الأميركيون طأطأوا رؤوسهم بطريقة مذلة ومخزية. إنه على الولايات المتحدة أن تدرك أنها ستبقى غير مرغوب فيها في هذه المنطقة مادامت تقدم المصالح الإسرائيلية على المصالح الأميركية، ومادامت تتعامل مع الإسرائيليين من موقع الذي يعاني عقدة نقص إزاء حليف لا يراعي مصالح حليفه الذي لولاه لما استطاعت هذه الدولة أن تستمر في الشرق الأوسط لحظة واحدة... إنه على الولايات المتحدة بعد هذا كله أن تكف عن طرح السؤال الذي دأبت على إلقائه في وجوه العرب على الطالع والنازل، وهو السؤال القائل: "لماذا تكرهوننا"... إنه على الولايات المتحدة ألا تستغرب عندما تسمع من عربي يقول للأميركيين: "إننا نكرهكم!".
أخر كلام
لهذا نكرهكم!
11-03-2010