ها هي المحكمة الدستورية تطعن في قانونين غير دستوريين، في وقت متقارب، الأول في حكمها على قانون الجنسية الذي ينص على فرض موافقة الزوج لزوجته بالحصول على جواز سفر، الذي رأت المحكمة أنه مثَّل «إهداراً لإرادتها وافتئاتاً على إنسانيتها»، أما الحكم الثاني فهو قانون الانتخاب الذي يشترط «للمرأة في الترشح والانتخاب الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية» الذي انتهت المحكمة إلى عدم صلاحية تشريعه إذ «لا يمكن أن يخالف التشريع نصوصاً أعلى منه بالدستور الكويتي تمثل مبادئ عامة» كالحرية الشخصية وحرية الاعتقاد، لتتقدم المحكمة بذلك خطوة باتجاه إرساء دعائم الديمقراطية والدولة المدنية... ولكن ماذا عن بقية القوانين غير الدستورية، وما أكثرها؟

Ad

يقول جان جاك روسو، الفيلسوف التنويري، إن القوانين الجيدة تخلق قوانين أفضل، والقوانين السيئة تؤدي إلى قوانين أسوأ، وها هي صحة نظريته تتثبت فيما يتعلق بالقانون الذي يحرم المواطنين من اللجوء المباشر إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستورية القوانين، إذ يحصر القانون حق التقاضي للحكومة أو مجلس الأمة (الذي يتطلب الأغلبية)، أو عن طريق الدفع بدعوى منظورة أمام إحدى المحاكم، وهو ما يسمى بالطعن غير المباشر بالنسبة للأفراد، كما حدث مع قضية التجمعات وقضية قانون منح جواز السفر من دون موافقة الزوج، حيث تطلب الأمر اقتناع المحكمة باحتمالية عدم دستورية القانون لتحيله إلى المحكمة الدستورية.

وكم أضاع المجلس والحكومة والمجتمع من الوقت والجهد وكم أهدروا من الطاقات والأموال في قضايا محسومة دستوريا، فلو كان اللجوء إلى المحكمة الدستورية مباشراً لما تأخرت قضايا كثيرة غير دستورية مجحفة كحرمان المرأة من حقوقها السياسية والمدنية وقضية البدون غير الإنسانية وغيرها، ولانتصرت المحكمة للكثير من الانتهاكات الدستورية التي نعيشها بشكل يومي، فقانون المحكمة الدستورية القائم هو بحد ذاته قانون غير دستوري، حيث يؤكد الخبير الدستوري محمد الفيلي «أن الدستور كفل للجميع حق التقاضي لكن القانون القائم يقف حجر عثرة أمام المتقاضين».

لذا يعتبر هذا القانون «اختلالاً رئيساً في البنية التشريعية للدولة» كما عبرت عنه النائبة أسيل العوضي التي تقدمت باقتراح بقانون يقضي بحق الأفراد في التقاضي المباشر أمام المحكمة الدستورية، مبينة أن «هناك العديد من القوانين التي لا تتوافق مع الدستور، وهو أمر لا يمكن أن تحسمه سوى المحكمة الدستورية ولا يمكن أن يخضع لاجتهادات الحكومة أو مجلس الأمة، خصوصا أنهما ساهما في وضع العديد من القوانين غير الدستورية».

وبالإضافة إلى صعوبة إحالة القوانين غير الدستورية إلى المحكمة الدستورية من قبل الحكومة (التي تدعي إيمانها بحقوق المرأة والحريات) أو المجلس (وهو لسخرية القدر أول من ينتهك الدستور)، يأتي الطعن غير المباشر بطريق أصعب مليئاً بالمنعطفات والمزالق والعقبات، يُتعب من يسير فيه ويُنهكه، كما حدث مع الدعاوى الست التي تقدمت بها مجموعة من النساء الى المحاكم لتنال حقوقها السياسية، لكنها قوبلت جميعها بالرفض لأسباب فنية محضة.

وقد أعدت «صوت الكويت»، وهي جماعة ضغط تعمل من أجل المحافظة على الحريات ومحاربة التعدي على المكتسبات الدستورية، كتيباً قيماً يستعرض بعض القوانين غير الدستورية وأسماء النواب المسؤولين عنها كما يشرح تناقضاتها مع بعض مواد الدستور. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قانون الجنسية الذي يشترط اعتناق الإسلام للحصول على الجنسية، وهو ما يتعارض مع المادة (35) التي تقر بأن «حرية الاعتقاد مطلقة»، وقانون الأحوال الشخصية الذي لا تتساوى به المرأة مع الرجل والذي يتعارض مع المادة (7) التي تقر بأن «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع»، والمادة (29) التي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين». بالإضافة إلى قانون التعليم العالي الذي يفرض عدم الاختلاط على الجامعات الحكومية والخاصة والذي يتعارض مع مبدأ حرية الاختيار وتكافؤ الفرص ويتناقض مع المواد (8) و(36) و(40)، وقانون المطبوعات والنشر الذي غلظ من العقوبات دون مراعاة نص المادتين (36) و(37) اللتين كفلتا حرية الرأي والتعبير والنشر. بالإضافة إلى قانون الانتخابات الذي يشترط مضي 20 سنة على التجنيس والذي يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق المواطنة والمادتين (29) و(30) حيث ميّز بين المواطنين حسب تاريخ ونوع الجنسية، والمفارقة أنه نفس القانون الذي حكمت المحكمة ببطلان اشتراطه المرأة في الترشح والانتخاب «الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية»، إذ لم تجز المحكمة «التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات بسبب الدين أو الجنس»!

ولا عجب إذن أن توصف ديمقراطية الكويت بالناقصة والعرجاء والمشوهة، فحكم الدستور فيها معطل لأنه يُنتهك في وضح النهار... لتتحول إلى استبداد الأغلبية، وهي بعيدة تماماً عن قيم الديمقراطية الحقة، إذ لن تقوم للديمقراطية قائمة ما لم تقترن بضمانات لحقوق الإنسان والأقليات والحريات الشخصية والمساواة أمام القانون، وهي حقوق كما وصفتها وكالة الإعلام الأميركية «غير قابلة للتصرف»، فهي «كما صاغها فلاسفة عصر التنوير في القرنين السابع عشر والثامن عشر حقوق طبيعية وهبها الله للبشر... والحقوق غير القابلة للتصرف تتضمن حرية الكلام والتعبير، وحرية الديانة والمعتقد، وحرية الاجتماع، وحق التمتع بالحماية المتساوية أمام القانون... وحيث إن هذه الحقوق موجودة بذاتها وبالاستقلال عن الحكم والحكومة، فإنه لا يجوز إلغاؤها بتشريع ما، كما أن مصيرها لا تقرره نزوة أغلبية انتخابية». وهو ما تقره المادة (175) من أن «الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة».