من يصدق أن بلدا بتروليا ثرياً جدا وعدد سكانه لا يكاد يتجاوز الثلاثة ملايين نسمه يعاني معاناة مستمرة لسنوات من مشكلة انقطاع الكهرباء والماء في عز الصيف، في الوقت الذي يتبرع فيه هذا البلد من خلال الصندوق الكويتي للتنمية بمولدات كهرباء لقرية بحمدون وضواحيها الواقعة في جبل لبنان؟ قد يكون الأمر أشبه بالخيال الذي لا يصدق، لكنه مع الأسف هو الواقع المؤلم الذي نعيشه.

Ad

 إن مشكلة انقطاع الكهرباء والماء ليست بسبب شح الموارد المالية أو كثرة عدد السكان أو زيادة الاستهلاك اليومي، كما يصور ذلك مسؤولو وزارة الكهرباء، إن هذه الأمور من السهل السيطرة عليها ومعالجتها إن توافرت الإرادة المخلصة والإدارة السليمة، لكن علتنا الرئيسة تكمن في سوء الإدارة الحكومية واستشراء الفساد وعدم محاسبة الفاسدين، بل معاقبة المخلصين الذين يشيرون إلى مكامن الفساد ولا يخشون في قول الحق لومة لائم.

إن مشكلة الكهرباء والماء تعبر بشكل واضح عن الواقع المزري الذي وصلت إليه الإدارة الحكومية لأن هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة كما يحاول بعض المسؤولين أن يوهم العامة، فقد كانت متوقعة، على الأقل منذ سنوات قليلة ماضية، إذ إن تقارير ديوان المحاسبة قد أشارت إلى مخالفات جسيمة وشبهات فساد إداري ومالي في خطط طوارئ الكهرباء لعام 2007، وهو ما كان ينبئ بخطورة الوضع مذاك الحين، لكن رغم ذلك فإن الحكومة لم تفعل شيئا ذا قيمة تذكر، لذلك وصلنا إلى الوضع الصعب الذي نعيشه الآن من انقطاعات متتالية وشبه يومية للكهرباء والماء، ناهيكم عن التهديد الحكومي اليومي للسكان في  إمكانية حدوث انقطاع مفاجئ وعشوائي للكهرباء والماء، وكأننا بلد فقير ليس لديه الإمكانات المالية والفنية الهائلة المتوافرة لدينا.

 لقد كان الأولى أن يوجه التهديد الحكومي للمسؤولين عن عمليات الفساد التي أشارت إليها، أكثر من مرة، تقارير ديوان المحاسبة، إذ لم نسمع قط عن محاسبة أحدهم أو إقالته أو إحالته إلى النيابة إحالة صحيحة من الناحية القانونية.   

إن هناك معلومات بعضها رسمي مثل تقارير ديوان المحاسبة توضح أن هناك فضائح فساد مالي وإداري كثيرة في وزارة الكهرباء والماء، كما أن هنالك معلومات أخرى تشير إلى عملية تزوير  في فواتير الكهرباء والماء، وهو ما أشرنا إليه أكثر من مرة وتطرق له أيضا بعض الزملاء الكتّاب، لكن لا حياة لمن تنادي، فلم نسمع من وزارة الكهرباء والماء حتى اللحظة أي تعليق على خبر فضيحة تزوير الفواتير الذي يبدو أنه صحيح بدليل عدم نفيه رغم مرور فترة طويلة جدا (سنة تقريبا) على الإشارة إليه.

الخلاصة أن انقطاع الكهرباء والماء أو حتى مجرد التهديد اليومي المزعج والمستمر للسكان في احتمال حدوث ذلك يمثل فضيحة سياسية قبل أن تكون فضيحة فنية أو إدارية، إذ إن الأمر يتعلق بكفاءة الإدراة العامة وقدرتها على إدارة شؤون الدولة ومرافقها رغم الإمكانات الهائلة والنادرة المتوافرة لديها، لذلك فإنه يتعين على الحكومة أن تتعامل مع الموضوع تعاملا سياسيا بدلا من تحميل السكان عبء فساد الأجهزة الحكومية وترهلها، لأنه حتى لو صدقنا جدلا أن السبب هو عملية الاستهلاك غير الرشيدة للكهرباء والماء فإن الأجهزة الحكومية تتحمل الجزء الكبير منها، إذ إنها تعتبر أكثر تبذيرا وإسرافا في استهلاك الكهرباء والماء من المستهلكين العاديين.