آمال تغريبة بني وشيح

نشر في 27-11-2009
آخر تحديث 27-11-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي عيدكم مبارك...

كما يفعل الآباء عادة، جمعت أبنائي حولي، وناديت "بو عزوز" (سعود ذو العامين، الذي يتغذى على الألواح والأخشاب، والذي لا يتفاهم إلا بيده الكريمة)، وأجلسته في حجري، وسألت الجميع: أين تودون الذهاب في العيد؟، فتلقيت صفعة سريعة من أبي عزوز، اعتبرتها إجابة منه عن سؤالي. فهمست في أذنه: أنت بالذات موضوعك سهل، سأصحبك إلى منجرة في الصناعية، في هذا العيد المبارك، وأصفّ الألواح أمامك كالبوفيه، وباسم الله، كلوا من طيبات ما رزقناكم.

بعد الصفعة، خيّم الصمت على الجميع، ومضى الوقت، وما سمعت منهم إلا التذمر والشكوى من عدم وجود ما يستحق الزيارة، فغضبت وصرخت فيهم: خلاص، سأطبق خطة الوالد، رحمة الله عليه. إذ كان برنامج العيد محسوماً بالنسبة إليه وإلينا، ففي اليوم الأول نصب القهوة أنا وأخوتي وقوفاً للضيوف والزوار القادمين للسلام عليه، حتى تتشنج آذاننا وأنوفنا لطول الوقوف، وتتساقط أذرعنا بجانب أجسادنا من شدة التعب، فيمشي الواحد منا كما يمشي البطريق، لا يقوى على تحريك ذراعيه. وفي اليوم الثاني يصحبنا إلى البر فنتسابق من بعد صلاة الفجر مباشرة إلى ما بعد المغرب، لا نتوقف إلا للصلاة وشرب قليل من الماء كي نبقى على قيد الحياة. وما إن يغفل عنا حتى نبكي بكاء غرائب الإبل لشدة الإعياء، فإذا لمحناهُ قادماً مسحنا دموعنا بسرعة وأعدنا ألسنتنا المدلدلة الرمادية إلى أفواهنا وتظاهرنا بالسعادة والحبور.

ولا يبدأ عيدُنا الحقيقي إلا بعد أن نركب حوض "الجمس" عائدين إلى البيت، يتحمّد كل منا للآخر على السلامة: "خطاك السوّ". لكن المرحوم أحياناً، وحرصاً منه على إسعادنا أكثر وأكثر، يبشرنا: "اليوم تسابقنا في (بر الوفرة)، وغداً إن شاء الله سنتسابق في (بر الصبية)! لا حول ولا قوة إلا بالله، "تعددت النكبات والبر واحد"... وبالطبع، لا بد أن نعرب عن سعادتنا بـ"اقتراحه": الله أكبر، بر الصبية مرة واحدة، يا ما أنت كريم يا رب. نقول ذلك قبل أن نرفع أيدينا بالدعاء: اللهم إنك تعلم أننا بزران لا نقوى على قطع كل هذه المسافات الشاسعة، لكننا مرعوبون من الوالد، فقصّر اللهم المسافات وصغّر المساحات في سفرنا هذا واطوِ عنا بعده.

أتذكر أنني كنت أدعو الله ألا ينتهي رمضان كي لا يأتينا العيد فأتحول أنا وأخوتي إلى إبل تقطع الصحارى، في تغريبة ولا تغريبة بني هلال.

أعود لأقول - لأبنائي - إن الحق عليّ أنا الذي جمعتكم واستشرتكم، لذا سأصلّح غلطتي، وسأفعل بكم كما كان يفعل المرحوم بنا، فاحسبوا حسابكم، عليّ النعمة لأمغطنكم تمغيطاً في البراري، ولأجعلنكم تستأنفون تغريبتنا الخالدة، وأولكم "نقّار الخشب" هذا، بو عزوز. أو فاختاروا مكاناً أصحبكم إليه، المقابر مثلاً، سنترال الفحيحيل، مصفاة الشعيبة، ركام محطة أم العيش...

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top