منذ أيام، وعلى صفحته في الفيس بوك، كتب الزميل د. علي الزعبي ما نصه: «كتب أحدهم ذات مرة أن الحذاء ذو الكعب العالي يؤنث المرأة، أما الحذاء الواطي فهو يجعلها أقرب للرجال! كلما سمعت مثل هذا الكلام قلت: متى نخرج المرأة من دائرة الجنس والإغراء، لأن المرأة هي إلهة الروح التي لا نمل من عبادتها مهما كان شكلها أو لبسها أو لهجتها».

Ad

فكتبت ردا مختصرا على ذلك بأن المرأة هي التي قبلت أن ينظر إليها كقشرة لا كجوهر، وجاءت إحدى الأخوات بعدي لتقول: إن «من السمات الأساسية للمجتمعات المتقدمة- وأظنها تتهكم بكلمة المتقدمة هنا- أنها تربي المرأة على مفاهيم وسلوكيات معينة تتناسب مع عقلية ومزاج المسيطر في المجتمع (الذكر) وبعد ذلك تحاسبها على هذه المفاهيم والسلوكيات»، فعقبت على كلامها: بأن المرأة قد تم جعلها سلعة، بل إن كل النساء في مجتمعنا صرن راغبات في أن يصبحن سلعا، فكتبت بعد ذلك أخت أخرى ما معناه: ألا أحد جعل من المرأة سلعة سوى الرجل!

ولأني خشيت أن يصبح الموضوع سجالا رجاليا/نسائيا، مشوبا بالتحيز المسبق وبالانحياز لهذا الجنس أو ذاك، على حد تعبير الزميل الزعبي، فقد اكتفيت هناك بالقول: إننا إن قبلنا فكرة أن الرجل هو من جعل المرأة سلعة، فهذا يعني أن المرأة منزوعة الإرادة. نعم، قد نقبل هذا سابقا حين كانت في ظل الرجل، لكن ما عذرها اليوم؟ وختمت: بأن المرأة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كونها صارت سلعة.

وأشارككم اليوم نفس الموضوع، فلا أزال حتى الساعة أعجز عن أن أفهم لماذا ترغب المرأة- أو سأقول- قطاع كبير من النساء عندنا، في تقديم أنفسهن بالقشرة الخارجية فقط، فيذهبن إلى الاعتناء أشد العناية بمظهرهن الخارجي، بل إلى أكثر من ذلك، ليصلن إلى التغيير وإعادة تصنيع أشكالهن، عبر وسائل الشد والمد، والتطويل والتقصير، والشفط والنفخ، وغير ذلك من «البدع» التي صار يثرى من ورائها أطباء التجميل.

قد أحاول أن أفهم السبب في هذا لممثلة أو مغنية أو راقصة أو عارضة أزياء أو فتاة إعلانات تجارية، لأنها تعتمد أساسا على شكلها الخارجي ومظهرها في تسويق نفسها، ولكنني لا أستطيع أن أفهمه حين يأتي من امرأة سياسية أو مثقفة أو أديبة أو أكاديمية أو عالمة. لا أفهم أن تظهر علينا، مثلا، مهندسة شهيرة في مجال المعلوماتية، قدمت نفسها للناس على هذا الأساس، دائما بصورها البراقة وبوقفاتها الفنية بانحناءة وزاوية تصويرية مرسومة، وكأنها في إعلان ترويجي لألبوم غنائي جديد، ولا أفهم أيضا أن تخرج مسؤولة في إحدى الجهات الرسمية، أو امرأة أكاديمية، بصورة لها في الصحف وهي تنظر إلى القراء من فوق كتفها مع ابتسامة للكاميرا في حين تلألأت خلفية الصورة، وكأنه بوستر إعلاني لأحدث الأفلام؟! وغير ذلك الكثير!

نعم، لعله في السابق كان الرجل يفرض سلطانه على المرأة، حيث كانت المجتمعات ذكورية قامعة للأنثى، ولكن اليوم، ونحن نشهد انتصار المرأة على قيود الماضي، ونشاهد حصولها على حقوقها على كل صعيد تقريبا، ولنأخذ الكويت مثالا قريبا، فلماذا لاتزال المرأة في إصرار على تقديم نفسها كصورة سطحية، وكهيئة خارجية تلعب على وتر الإغراء والجذب الشكلي المجرد، لا كعقل متمكن، وإرادة فاعلة، ووجود مجتمعي حقيقي، ساقا إلى ساق مع الرجل؟!

تساؤلات محيرة، ولهذا، فلا أزال على رأيي بأن المرأة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كونه ينظر إليها في الغالب، في مجتمعاتنا، كسلعة جميلة مثيرة براقة، ليس لها أكثر من هيئتها الخارجية التي تعكف على نحتها وصبغها وتلميعها ليل نهار!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة