إنها تنمية وليست عقدة!
عقدة الماضي المتمثلة في كوننا درة الخليج أو لؤلؤته أو عروسه يجب أن تنتهي كهاجس نستذكره بالحسرة والمرارة والندامة, فليكن لهذه المرحلة أيضاً رجالاتها وتحدياتها وإرادتها في تحقيق نجاح جديد لعلها تكون مدعاة للإبهار والإشادة.
أعلن سمو رئيس مجلس الوزراء في المؤتمر الصحفي بمناسبة تدشين بعض مشاريع خطة التنمية أن الكويت سوف تعود "درة الخليج"، في إشارة واضحة إلى السمعة التاريخية لبلدنا في مجال التطور والعمران, ومثل هذا التصريح يعد كذلك بمنزلة إعلان رسمي بالفشل في إحراز أي تقدم تنموي على مدى ثلاثة عقود من الزمن على أقل تقدير.وفي رأيي، وبغض النظر عن أسباب وعوامل هذا الفشل الطويل، أنه يجب أن نتحرر من عقدة الماضي الكويتي، وبنفس المقدار من عقدة الحاضر الخليجي، إذا ما أردنا بالفعل أن نحقق نجاحاً حقيقياً للبرنامج التنموي الحالي.
فعقدة الماضي المتمثلة في كوننا درة الخليج أو لؤلؤته أو عروسه يجب أن تنتهي كهاجس نستذكره بالحسرة والمرارة والندامة, فتلك حقبة كان لها رجالها وفكرها وطموحاتها، وعملت هذه العوامل مجتمعة، ونجحت، وأبهرت الجميع بمن في ذلك جيراننا في الخليج والمنطقة العربية برمتها, وليكن لهذه المرحلة أيضاً رجالاتها وتحدياتها وإرادتها في تحقيق نجاح جديد لعلها تكون مدعاة للإبهار والإشادة. ومن ناحية أخرى يجب أن نتحرر سواء على مستوى الحكومة أو حتى الشعب الكويتي من عقدة الواقع الخليجي اليوم, فالبحرين وهي أصغر دول الخليج وأفقرها قد تغيرت معالمها بشكل شبه كامل, وقطر بلغ طموحها إلى حد المنافسة على استضافة مونديال 2022, والكثير من المدن السعودية قد تحولت إلى لوحات فنية من العمارة الأنيقة، ناهيك عن مشاريعها المتطورة في مجال الصحة والتعليم, وسلطنة عمان يضرب بها المثل كدولة قانون، وأنها الخاصرة السياحية المرتقبة في الخليج, أما الإمارات فقد يصعب تسطير ما تفوقت به من مشاريع بلغت حد الخيال.ومثل هذه الصور بالتأكيد تبعث على الغبطة والسرور, ولكن يجب ألا يكون هدفنا الأساسي من التنمية أننا نريد أن ننافس دول الخليج أو نطمح في أن نتفوق عليها، أو نستعيد أمجادنا لكي نكون درة على رأسها من جديد.إن مشاريع التنمية القائمة على قدم وساق في مختلف دول العالم لم يتم التفكير فيها والبدء بتنفيذها انطلاقاً من الشعور بالغيرة أو الحسد أو حتى المنافسة، ولكن إحساساً بأهمية التنمية وحتمية تلبية احتياجات الأمة والمحافظة على ديمومة الدولة ككيان ووعاء يحتضن شعبه, وتعكس إدارة وطموحات الإنسان, ولذلك فإن أي خطط وأحلام للبناء والتقدم لا يمكن أن تترجم إلى واقع ملموس إذا غابت عنها مثل هذه الاعتبارات.وأخيراً، نتمنى أن تكون الكوادر الوطنية من مهندسين وفنيين وإداريين وحتى الوظائف البسيطة هي عصب تحريك أكثر من 400 مشروع تنموي أعلنتها الحكومة، وذلك حتى يؤمن الكويتيون بأنهم من بنوا الكويت الجديدة، وأن هذا الإنجاز من صنع أيديهم, وأن الخطة التنموية الحلم ليست ساحة للترحيب بالمهندسين والعمالة البنغالية فقط كما صرح وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء!!