البدون... هل الحل من الخارج؟!
لو كانت هناك أداة ما، ميزان أو مسطرة أو ما شابه، يمكن بواسطتها قياس تقدم قضية البدون نحو الحل، بعد كل مرة تثار فيها نيابيا، فأجزم لكم أننا سنجد أن النتيجة ستكون صفرا، بل تحت الصفر، لأن القضية في تدهور مستمر. هذا الأمر، الذي تكشف لي منذ فترة ليست بالقريبة، فدعاني إلى التوقف عن المشاركة في الأنشطة الساعية إلى حل قضية البدون عبر البرلمان إيمانا مني بعبثيتها وعدم جدواها، لا يرجع إلى أن النواب لا يريدون حل القضية، هكذا «كاش» وبصريح العبارة، وإن كان بعضهم كذلك في الحقيقة، إنما لأن القضية لا تمثل لأغلبهم أولوية على الإطلاق، بل حسبها أنها قضية أخرى والسلام، وما أكثر القضايا.وأما بالنسبة لأولئك النواب، الذين ربما لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، ممن يرون فيها أولوية، فهؤلاء أسرى للواقع السياسي السهل الانقياد والخطف، لأي قضية أخرى، حتى لو كانت هامشية سخيفة لا تستحق النظر، فكل القضايا قادرة على اعتلاء سلم الأهمية، والاستئثار باهتمام القنوات والصحف وشغل الرأي العام، متجاوزة قضية البدون على ما لهذه القضية من أبعاد سياسية وأمنية واجتماعية خطيرة جدا.
ولا يوجد نائب على الإطلاق راغب في أن يجعل من قضية البدون قضيته الرئيسة، لأنه لا يوجد ناخبون من البدون، وبالتالي فالمسألة برمتها متروكة لتقدير هؤلاء النواب، وتعاطفهم وإحساسهم بأهميتها، وهي الأمور النسبية التي لا يركن إليها.قلتها سابقا في أكثر من مكان، وكررتها على مسامع الكثير من الإخوة البدون: حل قضية البدون بيد البدون أولا، وهو حل لن يخرج من تحت قبة البرلمان في قناعتي، بل لعله لن ينطلق من الكويت أصلا.إن تباطؤ وتلكؤ الحكومة، ووزارة الداخلية على وجه الخصوص، في التعامل مع قضية البدون «لحلحلتها»، بالرغم من كل تصريحاتها ووعودها الإنشائية، تعكس وبشكل مباشر، أنه لا يوجد لديها إيمان حقيقي بأن هناك شيئا ملحا يستدعي الحل العاجل، وأن تصرفات اللجنة الأمنية الغليظة والمتشددة، بل المتعسفة تجاه البدون، تكشف أن لسان حال الحكومة يقول إن البدون ليست لهم أي أحقية بالحصول على الجنسية الكويتية. هذا هو تفسيري المباشر لما أراه، وإن كان لدى أحد من هذه الأطراف كلام آخر، فأتمنى أن يصرح به علنا ومباشرة.إذن هذا هو الموقف الحكومي من الموضوع، وبما أن البدون يمنعون من اللجوء إلى القضاء للحصول على حقوقهم، الحقوق التي يأتي على رأسها حقهم بالحصول على الجنسية / الهوية كحق إنساني مدني وشرعي وأخلاقي، تحت شتى الذرائع التي تبدأ بتلك العبارة المطاطة التي وقع الكثيرون في فخ تردادها خوفا من التشكيك بهم وبولائهم، ألا وهي عبارة أن موضوع الجنسية «موضوع سيادي»، ولا تنتهي عند ذريعة عدم اختصاص المحاكم بالنظر في مثل هذه الدعاوى. كنت أقول بما أن هذا هو موقف الحكومة الصريح، والذي لا أظنها تخشى أن تقول به وتدافع عنه بكل صراحة لإيمانها بصوابه، فمن حق البدون في الجانب الآخر أن يكون لهم رأيهم الآخر، وأن يلجؤوا لذلك إلى كل الجهات الدولية التي تختص بمثل هذه القضايا، سواء أكانت هذه الجهات إعلامية أو ناشطة في مجال حقوق الإنسان أو مؤسسات تحكيم دولي أو غيرها. وليس في هذا أي تأليب على الحكومة الكويتية، ولا استقواء بالأجنبي أو بالخارج، كما يشيع البعض ليخيف من ينادون به، بل هو الحق والعدل، ومن كان له حق فمن حقه أن يسعى إلى أخذه بالوسائل السلمية المشروعة وفقا لموازين العدل، تلك الموازين التي أبت لسنوات طويلة أن تنصفهم في الداخل، وآن لأصحاب القضية أن يبحثوا عنها في الخارج. من الواجب على البدون، وبالأخص الشباب منهم، توحيد صفوفهم، والسعي إلى أن يكونوا جبهة واحدة، ولا يسمحوا لأحد بتشتيت جهودها، أو أن يدق الأسافين بين أفرادها باستخدام فكرة أن هؤلاء البدون خليط من سنة وشيعة، وبدو وعجم وهكذا، لأن من الطبيعي أن يكون بين البدون من كل هؤلاء، كما هي حال الكويتيين جميعا.كلمة أخيرة أوجهها إلى شباب البدون ممن سبق أن حادثتهم بالأمر، وهي أني مازلت مؤمنا بمقترح ذلك الاعتصام السلمي الصامت المستمر دون انقطاع، والذي أنا واثق بأنه بالإضافة إلى ما ذكرت أعلاه، سيجعل من هذه القضية على رأس الأولويات عند الجميع! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة