عالم الجاسوسية!
الحالة الفريدة الوحيدة، التي تتجسس فيها دولةٌ على دولة صديقة، هي تجسس إسرائيل على الولايات المتحدة، والأمثلة هنا كثيرة ومعروفة، ولا يكاد يمر عام إلا ويكتشف الأميركيون أن "ربيبتهم" تجدد التجسس عليهم، أمّا أن تتجسس روسيا على أميركا أو العكس فإن هذا شيء عادي، والمؤكد أن الصين تسعى دائماً وبشكل دؤوب إلى معرفة، وبصورة غير شرعية، مدى التقدم الذي تحرزه الدول الغربية، وخصوصاً في المجالات التقنية والاقتصادية. آخر أعمال التجسس من قبل روسيا على الولايات المتحدة هو اكتشاف الأميركيين شبكة روسية متجذرة في بلادهم، يعود وجودها إلى بدايات تسعينيات القرن الماضي، والطريف أن هذا الاكتشاف جاء مباشرة بعد زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لواشنطن، والأطرف أن التحقيقات اكتشفت أن بعض أنشطة هؤلاء الجواسيس تركزت على معرفة "مزاجية" الرئيس الأميركي باراك أوباما عشية زيارة كان قام بها لموسكو.
والجاسوسية، كما هو معروف، كانت أمضى أسلحة الحرب الباردة، وكان ذلك الجاسوس الوسيم "جيمس بوند" رمز تفوق الغرب الرأسمالي على الشرق الشيوعي والاشتراكي، وكانت حرب النجوم هي ذروة تلك الحرب، إذ ردَّ الأميركيون على وصول السوفيات إلى القمر بهبوط صاخب على سطح هذا الكوكب الجميل، الذي لو عرف الشعراء القدماء حقيقته لوصفوا ليس معشوقاتهم الجميلات ولكن أبشع نساء العالم في وقتهم بصفحته الجدباء الميتة والموحشة. حتى العرب كانوا يتجسسون بعضهم على بعض في زمن الحرب الباردة، وربما حتى الآن، فالإنسان خُلِق فضولياً ولديه دائماً وأبداً نزعة جامحة لمعرفة أسرار أخيه الإنسان، والطريف أن موظفاً صغيراً من دولة عربية اعتقل في دولة عربية أخرى بتهمة التجسس على هذه الدولة الأخيرة، لحساب دولته، والأغرب أن ما اعتبر تجسساً بالنسبة إلى هذا الموظف البائس أنه كانت لديه هواية جمع إعلانات الوفيات في صحف الدولة "الشقيقة" المضيفة. في التاريخ البعيد، وهذا ورد في القرآن الكريم، كان طائر الهُدهُد الجميل، الذي يحمل فوق رأسه تاجاً ملكيّاً من ريشٍ ذهبي ناعم، يتجسس لحساب النبي سليمان، الذي لا يعترف اليهود بنبوته، ويعتبرون أنه أحد ملوكهم القدماء، فقط، وحسب الرواية القرآنية فقد أرسله النبي سليمان ليتجسس على مملكة سبأ في اليمن، ثم عاد بحكاية الملكة بلقيس التي قامت لاحقاً بزيارة تاريخية لقصر سليمان الذي عندما دلفت من بابه إلى داخله حسبت أنها على وشك الخوض في لُجَّة فكشفت عن ساقيها... والمعروف حسب الروايات التاريخية غير المثبتة أن زواج سليمان بهذه الملكة قد أثمر إنجاب طفل أصبح ملكاً للحبشة، وقد بقي الإمبراطور هيلا سولاسي (الثالوث المقدس) يصر على أنه حفيد هذا الجد الأسطوري البعيد!