ما حدود حرية التعبير في الوطن العربي؟

نشر في 06-08-2009
آخر تحديث 06-08-2009 | 00:00
 إيمان علي البداح يحمل دستور الكويت في طياته باباً مفتوحاً للرقابة والمنع والتجريم، مما يعكس وجهة نظر المشرع التي تؤكد حقيقتين أساسيتين: الأولى، هي عدم إيمان المشرع بحرية التعبير بشكل مطلق. والثانية، هي الرغبة في إعطاء المرونة الكافية لتعريف هذه "الحدود"، حسب تغير الظروف.

في الجزء الأول من هذا المقال تطرقنا إلى تعريف حرية التعبير والحدود المتفق عليها فلسفياً والتي تنحصر في الأذى أو الضرر (Harm) والإساءة أو الإهانة (Offence). وحرية التعبير كما الكثير من المفاهيم الليبرالية قائمة على فرضية أساسية، وهي أن الإنسان بطبيعته خيِّر وفي بحث دائم عن "الحقيقة". لذا يعتبر المدافعون "حرية التعبير" الوسيلة الإيجابية الوحيدة لخلق تجانس واتفاق اجتماعي حول المبادئ والحقائق دون عنف أو وصاية. ويرون أن "الفوضى" الناتجة عن حرية التعبير، هي ثمن رخيص للوصول إلى الحقيقة التي ستنتصر حتماً على الخرافة والإشاعة والمغالطات، إذا أُعطيت فرصة عادلة. ويؤكدون أنه لا يوجد شخص "حكيم" بما يكفي ليراقب ويقرر الحقائق للجميع، كما أكد جون ميلتون من أشهر المدافعين عن حرية التعبير في القرن السابع عشر.

يحمل دستور الكويت كما بعض الدساتير العربية على مادة تخص حرية التعبير (المادة 36) ، وكما في الدساتير العربية الأخرى نص المادة يحمل في طياته باباً مفتوحاً للرقابة والمنع والتجريم (وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون)، مما يعكس وجهة نظر المشرع التي تؤكد حقيقتين أساسيتين: الأولى، هي عدم إيمان المشرع بحرية التعبير بشكل مطلق. الثانية، هي الرغبة في إعطاء المرونة الكافية لتعريف هذه "الحدود"، حسب تغير الظروف (مزاج الحكم، والحالة السياسية والاجتماعية، وربما التكنولوجيا). لذا نرى القوانين "ودرجة مرونتها"، تتغير بتغير الحالة السياسية بشكل عام وبتشكيلة مجلس الأمة تحديداً، فتكون حرية التعبير (والحريات الأخرى) أولى ضحايا التأزم والصراع السياسي، كما في حال حلّ المجالس النيابية أو حصول قوة سياسية ما على أغلبية نيابية.

وهذه الحالة لا تخص الكويت، بل العكس، تعد حرية التعبير في الكويت في مراحل متقدمة على الكثير من الدول العربية التي تفتقر إلى أبسط أشكال حقوق الإنسان كالشعور بالأمان، والتمتع الرعاية الصحية والتعليم. ووضع حرية التعبير في الكويت والعالم العربي انعكاس مباشر للثقافة السائدة والأنظمة السياسية القائمة.

فحرية التعبير الحقيقة لا يمكن أن تزدهر دون ديمقراطية ليبرالية حقيقية. أما الأنظمة السياسية الهجينة والقائمة على الملكية والعشائرية- التوارث بكل أشكاله- فلا يمكن أن تدعم حرية التعبير بشكلها الصحي والمتكامل. فحرية التعبير خطر على هذه الأنظمة. إذ بحرية التعبير يصل "الشعب" إلى حقيقة حقه في الحكم وتقرير الذات. لذا نرى أشكالاً مشوهة ومبتورة لحرية التعبير بما يسمح بقليل من التنفيس ولكن "في حدود الحدود"، كما وصفها أحمد فؤاد نجم.

ورغم أهمية دور النظام السياسي، فإنه ليس العائق الوحيد أمام حرية التعبير. فعقود من الحكم و"التربية" التسلطية خلقت حرباً داخلية في نفس كل مواطن ضد حرية التعبير أو أحد أشكالها. فنجد العيب الاجتماعي والحرام الديني و"العادات والتقاليد" تُجيَّر للمصلحة الشخصية كما السياسية وفي المنزل كما في المجتمع، لحصر حرية التعبير والتضييق عليها. وهذا التناقض الغريب بين الرغبة الطبيعية في الحرية والواقع التسلطي الكتوم، هو موضوع الجزء القادم من هذا المقال.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top