إنها بحق مهزلة وسبة بحق بلدنا ترحيل وزارة الداخلية عددا من المقيمين المصريين المؤيدين للدكتور محمد البرادعي. وزارة الداخلية كعادتها بررت مثل هذا الإجراء الأخرق بتنفيذ القانون والحفاظ على العلاقات مع الدول الصديقة، مع أن تبريرها هذا يتناقض مع موقفها في أحداث مشابهة ويؤكد أنها تكيل بمكيالين.

Ad

فبعد أيام من إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو الماضي، قام مجموعة من الإيرانيين بالتظاهر أمام سفارة بلدهم احتجاجاً على نتائج الانتخابات، وقد أشارت جريدة «القبس» بتاريخ 18-6-2009 في تغطيتها إلى الحدث بأن المتظاهرين كانوا «رافعين شعارات منددة بالرئيس الإيراني وشعارات أخرى مناصرة لمنافسه في تلك الانتخابات مير حسين موسوي»، كما طالب عدد من المتظاهرين الرئيس نجاد بالتنحي عن سلطة الحكم، وأكدوا أنهم «يقدرون للسلطات الأمنية الكويتية سماحها لهم بإقامة هذا التجمع السلمي».

وفي نفس التغطية قال وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون الأمن العام آنذاك اللواء ثابت المهنا إن الوزارة قامت بـ»السماح لهم فقط بالتظاهر أمام سفارتهم وهي مشكلة داخلية (ضعوا خطاً تحت داخلية) ودورنا حفظ الأمن»! كما علق اللواء المهنا في اليوم نفسه لـ»الراي» عن هذه المظاهرة قائلا: «إننا لا نتدخل في مثل هذه الأمور لأنها شأن داخلي». وأكد في اليوم نفسه أيضاً لـ»الجريدة» أن: «الكويت تكفل لأبنائها وللمقيمين التعبير عن آرائهم بما لا يخالف القانون»!

إذن «ما عدا مما بدا»؟ فكيف أصبح تظاهر الإيرانيين قبل أشهر قليلة شأناً داخلياً إيرانياً وحرية مكفولة للمقيمين، وأصبح تجمع مؤيدي البرادعي مخالفا للقوانين «التي تحظر على كافة الوافدين القيام بأي شكل من الأشكال بالمظاهرات أو التجمعات»، كما قالت وزارة الداخلية في بيانها الأخير؟!

لست أقول هنا بأنه كان حريا بالداخلية منع مظاهرة الإيرانيين كما منعت تجمع المصريين، بل العكس تماماً. لكن إذا كانت القوانين فعلاً تمنع مظاهرات المقيمين، فأيهما أولى بالمنع وأكثرها إضراراً بالعلاقات مع دول صديقة: مظاهرة الإيرانيين التي حدثت أمام سفارة بلادهم والتي نددوا فيها برئيسهم وبنتائج الانتخابات ضمن حملة كانت تنظر إليها طهران بأنها حملة منظمة تقودها جهات أجنبية أم تجمع المصريين الذي حدث في مكان خاص بعيداً عن سفارتهم وتأييدا لشخص دون التعرض لأشخاص آخرين؟!

ثم ماذا لو اقترب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية وأراد بعض المصريين إقامة تجمع خاص تأييداً للمرشح الذي يدعمونه- بمن فيهم الرئيس الحالي أو ابنه- فهل ستقوم الوزارة بالمنع؟ بل ماذا سيكون موقف الوزارة وأي حرج ستوقعنا فيه لو أن البرادعي انتخب رئيسا لمصر؟!

من ناحية أخرى، لو سلمنا بأن هؤلاء المقيمين خالفوا القوانين، فهل كل مقيم يخالف أي قانون يتم ترحيله بهذه السرعة؟ ألا توجد إجراءات قضائية تكفل للجميع الدفاع عن أنفسهم قبل اتخاذ مثل هذه الإجراءات؟ ألا يوجد مراعاة لعوائل المرحلين وانتظام أبنائهم بالمدارس وحقوق المرحل بتجميع أغراضه وتصفية أموره في البلد قبل الرحيل؟

إن كم التناقضات التي وقعت فيها وزارة الداخلية والإجراءات التعسفية التي قامت بها ترجحان كفة أن قرار الترحيل كان سياسياً وليس أمنياً أو قانونياً، ولا أستبعد أن يكون هذا القرار رسالة من القاهرة لكل مؤيدي البرادعي بالخارج، خصوصاً مع صمت السفارة المصرية عن هذا الإجراء. لكن بما أن الوزارة قامت بتكميم الأفواه، ومع أن الانتخابات المصرية لا تمسني مباشرة، فإني سأقول عناداً مع وزارة الداخلية ونيابة عن المصريين المرحلين ومن يخاف ترحيله: نعم للبرادعي ولا للحزب الوطني الحاكم.