كثيرة هي النصوص المترجمة عن الأدب الفرنسي، إلا أن كتاب «لنحب دائماً... لنحب أيضاً» يتميز بنكهته الخاصة، فالحب وحده ما يجمع نصوصه، كما أن مترجمه الزميل رضا القاعوري حرص على اختيار ثلاثة شعراء هم خلاصة الشعرية الفرنسية: فيكتور هيجو، شارل بودلير، وجاك بريفير. لكل منهم عوالمه الخاصة وتقنياته الفنية التي تميزه. ولكل منهم موضوعاته الأثيرة، وقلقه الشعري الذي يدفعه باتجاه الكتابة.
في تقديمه للكتاب يشير القاعوري إلى المأزق الذي يقع فيه المترجم حين يقترب من حقل الشعر، فترجمة الرواية، أو القصة، والسيرة الذاتية تكاد تكون سهلة جداً، أما مراوغة الشعر بلغته الملغزة، ورمزيته التي تنبع من سياقه التاريخي الطويل، فاللغة هنا ليست مباشرة، وللخيال دور في إبراز المعنى الباطن، الذي لا يدركه إلا أهل اللغة، لذلك فإن المترجم يضع نصب عينيه هدفاً واحداً هو اختيار موضوع واحد يجمع قصائد هؤلاء الشعراء الثلاثة. وهنا وقع اختياره على الحب لا غير.نقرأ ذلك في قصائد فيكتور هيجو، ذات النفس الرومانسي العليل، حيث الطبيعة بألوانها، وأشجارها، وورودها، وطيرها، وعصافيرها: «بأي حق تضعون العصافير في الأقفاص؟/ بأي حق تقتلعون المغنين من الغابات؟/ من الينابيع، من الفجر، من السحابة، من الرياح؟/ بأي حق تسرقون الحياة من هؤلاء الأحياء؟».يضع فيكتور هيجو في نصوصه المختارة المرأة أمام عينيه، وهي الطرف الفاعل المشارك في الحوار، المشتبك مع الحياة، وهي نصوص تميل في بعض حالاتها إلى الحسية، والحديث عن فتنة الجسد/ المعنى. يقول: «بما أنني وضعت شفتي على كأسك الملآن/ بما أنني وضعت جبهتي الشاحبة بين يديك/ بما أنني تنشقت مرة النفس العذب/ من روحك، ذلك العطر المتنفس بالظل (...) بما أنني أراني أبكي، بما أنني أراني أبتسم/ ثغرك على ثغري/ وعيناك في عيني».نصوص شارل بودلير المنتخبة هي تتمة لنصوص هيجو من حيث الموضوع، فأجواء القصائد واحدة، وفضاءاتها الشعرية متحدة. تبقى هناك الفروق الفنية التي لا يدركها إلا من يقرأ القصائد بلغتها الأم. والترجمة في المجمل معنية بالموضوع لا الأسلوب. يبقى أننا نجد عناوين لقصائد مثل: أحزان القمر، أغنية العصر، أغنية خريفية، الحب الأكذوبة»، وهي عناوين تحيل الرومانسية ولغة الحب، المطعمة بالعذوبة والرقة. يقول في قصيدة «أغنية العصر»: «مع أن حاجبيك ماكران/ فهما يعطيانك مظهراً غريباً/ ليس مظهر ملاك بالطبع/ أيتها الساحرة ذات العينين الفاتنتين/ أهيم بك يالعابثة بي/ ياحبي المرعب/ بكل تفاني الراهب/ تجاه معبوده/ الصحراء والغابة/ تعطران جدائل شعرك الخشن/ رأسك له شكل اللغز والسر».بالطبع نجد اختلافاً في النصوص المترجمة بين قصائد هيجو المغرقة في رومانسيتها الحالمة وأجوائها الملهمة المتفانية في الحب والإخلاص. تختلف هذه عن نصوص بودلير التي نجد فيها شيئاً من واقعية قصيدة النثر، وإن يكن الموضوع المشترك الذي يجمع بينها الحب بلامنازع.وأما قصائد جاك بريفير فهي أبعد ما تكون عن السوريالية وصورها الغرائبية، يحدث ذلك رغم أن الشاعر صنف في حقبة ما ضمن السورياليين البارزين، فما سبب غياب الصور الغرائبية والعبثية المطلقة عن القصائد، هل لأن الحب لا يحتمل ذلك، أم لأن المترجم أراد أن يختار النصوص ذات التراكيب واللغة البسيطة؟ يقول بريفير: «أي وجود نحن/ نحن كل الوجود/ ياصديقتي/ نحن كل الحياة/ ياحبيبتي/ عندما نحب/ نحن نعيش/ نحن نعيش/ يعني أننا نحب/ ونحن لا نعرف ما الحياة».
توابل
لنحب دائما لنحب ايضا
08-11-2009