كيف يمكن تطبيق مقاربة «القوة الذكية» في اليمن؟
يجب أن تطور الولايات المتحدة مقاربة منطقية تساعد الحكومة اليمنية في تحسين أدائها، ومعالجة الكوارث الاقتصادية والاجتماعية التي تلوح في الأفق، وتحسين قدراتها العسكرية والاستخبارية وإمكانات الشرطة لفرض الأمن في أرجاء البلاد.
أوضح الرئيس باراك أوباما أنه لا ينوي إرسال قوات ميدانية إلى اليمن، وهو محقّ في ذلك، لكن حتى بعد المحاولة الإرهابية يوم العيد، يبقى تركيز السياسة الأميركية في الملف اليمني على مقاربات محدودة لمكافحة الإرهاب، سبق أن فشلت في أفغانستان خلال التسعينيات وأدت إلى توتر الوضع في باكستان منذ عام 2001.يواجه اليمن تحديات ضخمة؛ وينقسم شعبه الذي يُقدّر بـ24 مليون نسمة إلى ثلاث مجموعات متناحرة: أقلية شيعية تنتمي إلى المذهب الزيدي وتحارب اليوم ضد الحكومة المركزية (حركة تمرد الحوثيين)؛ سكان الجمهورية العربية اليمنية سابقاً (في الشمال)؛ وسكان جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية سابقاً (في الجنوب)، وينخرط عدد كبير منهم في حركة تمرد انفصالية. تعاني حكومة اليمن الفساد، ومحدودية قدرات القوى الأمنية، وتعاني نسبة كبيرة من الشعب إدماناً على نبتة مخدِّرة تُدعى "القات".
بحسب تقديرات البنك الدولي، سيتوقف اليمن عن كسب الأرباح من إنتاج النفط بحلول عام 2017 (يشكّل النفط راهناً أكثر من نصف مدخول الصادرات في البلاد). لا يحصل أكثر من 46% من اليمنيين في المناطق الريفية على ماء صالحة للشرب (تُستعمل 40% من مياه البلاد لزراعة نبتة القات)، ويرى بعض الخبراء أن الشعب اليمني سيُحرم من المياه خلال عقد من الزمن.لقد ركزت السياسة الأميركية في اليمن بشكل هائل على محاربة "القاعدة"، لكنها فشلت في معالجة الظروف التي تجعل من هذا البلد ملجأً آمناً للإرهابيين. أدت عملية ناجحة، عام 2002، إلى مقتل أبرز قادة "القاعدة" في اليمن، وتراجع نشاط التنظيم نسبياً طوال سنوات عدة. يعمل الجيش الأميركي على تأسيس خفر سواحل يمني (منعاً لأي اعتداءات شبيهة بتلك التي استهدفت حاملة الطائرات الأميركية "يو. اس. اس. كول"، عام 2000)، وتحسين إمكانات الجيش اليمني عموماً لمكافحة الإرهاب.لكن الولايات المتحدة امتنعت عن دعم جهود الرئيس علي عبدالله صالح للقضاء على المتمردين الحوثيين، ما يبرر نشوء شرخ مع شريكنا المرتقب، كما لاحظنا في مواقف مماثلة حول العالم (وتحديداً في باكستان)، لن تركز الحكومات المحلية على الجماعات الإرهابية التي تهدد بشكل أساسي الولايات المتحدة أو الدول المجاورة لها على حساب التحديات الأمنية التي تهددها مباشرةً. على الأرجح، ستفشل أي استراتيجية تحاول الضغط على اليمن أو رشوته للتخلص من أعدائنا.لا شك أن صالح هو شريك غير محبب، ونحن لا نريد الانجرار إلى الصراعات اليمنية الداخلية أكثر من اللزوم، لكنه شريكنا الوحيد في اليمن. إذا أردناه أن يقف في صفنا في صراعنا ضد "القاعدة"، فلابد من أن نقف في صفه في معركته ضد الحوثيين.كذلك، يجب أن تطور الولايات المتحدة مقاربة منطقية تساعد الحكومة اليمنية في تحسين أدائها، ومعالجة الكوارث الاقتصادية والاجتماعية التي تلوح في الأفق، وتحسين قدراتها العسكرية والاستخبارية وإمكانات الشرطة لفرض الأمن في أرجاء البلاد. تملك الولايات المتحدة اليوم بعثة الوكالة الأميركية للتنمية في السفارة الأميركية في صنعاء، عاصمة اليمن، مع أنها تفتقر إلى طاقم العمل والموارد الكافية. لكن بسبب المخاوف الأمنية، يبقى عمل المسؤولين الأميركيين محدوداً جداً في صنعاء، وبالتالي لا يستطيعون الإشراف مباشرةً على البرامج المحدودة التي يدعمونها، فكيف بالمساعدة في مواجهة إخفاقات الحكم كاملةً؟! تلقّى اليمن 150 مليون دولار كتمويل من بعثة الوكالة الأميركية للتنمية، عام 2009– أي ما يعادل عشر المبلغ الذي صُرف في أفغانستان، وأقل من خمس المبلغ الذي قُدّم إلى غزة والضفة الغربية، ونصف ما تلقّته نيجيريا تقريباً. أعلن البنتاغون حديثاً أنه يرغب في مضاعفة مبلغ 70 مليون دولار الذي تلقّاه اليمن لدعم الجهاز الأمني، لكن مجموع الميزانية التي ستوفر تلك الأموال عام 2010 لا يتجاوز قيمة 350 مليون دولار، وفقاً للمتحدث باسم البنتاغون جيف موريل، كما توجد مطالب ملحة أخرى لصرف تلك الأموال.لن تُحلّ مشاكل اليمن بسهولة عبر تدفق الأموال الأميركية عليه، لكن تُعتبر الدولارات الأميركية أساس مقاربة "القوة الذكية"، فلا تضمن وفرة الأموال تحقيق النجاح، لكن شح الأموال يضمن الفشل.من الضروري إعداد استراتيجية منطقية تركز على الأهداف الصحيحة، لكنها خطوة صعبة في الوقت نفسه، ولا يتمتع فريق العمل في أي سفارة أميركية عادية (مثل السفارة في صنعاء) بالموظفين أو الموارد أو الخبرة الكافية للقيام بذلك. كذلك، يفتقر الوجود العسكري الأميركي المحدود في اليمن إلى هذه الأمور. على الرغم من المحادثات التي امتدت طوال سنوات حول الحاجة إلى تطوير هذا النوع من الإمكانات في وزارة الخارجية الأميركية أو في أي قطاع آخر في واشنطن، لم يتحقق شيء من ذلك. يجب الإقدام على هذه الخطوة فوراً.يمكن أن يحقق الرئيس هذه الأمور من خلال إعطاء التوجيهات إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بإنشاء فريق عمل مشترك بين مختلف الوكالات في اليمن. ستقضي مهمّته بإعداد وتطبيق استراتيجية لتحسين فاعلية الحكومة والقوى الأمنية اليمنية، وإعادة فرض النظام المدني، والقضاء على مخبأ "القاعدة" الآمن. يجب أن يشمل طاقم الموظفين فريق عمل يمنيا يرأسه السفير، وخبراء من وكالات أميركية مهمة أخرى، بالإضافة إلى عدد كافٍ من الموظفين لتطوير البرامج وتنفيذها. يُعتبر ضمان أمن المسؤولين الأميركيين في اليمن من الأولويات الطارئة التي يجب تنفيذها، ما يمكّنهم من التجوّل في البلاد، على الرغم من غياب أي قوات أميركية ميدانية لحمايتهم.ستستلزم هذه الاستراتيجية مساعدة اليمن في هزم المتمردين الحوثيين ومعالجة الوضع المتوتّر بسبب الحركات الانفصالية في الجنوب من دون إفساح المجال أمام تفتّح حركة التمرد في الجنوب. سيستلزم الأمر أيضاً استراتيجية مختلفة لمساعدة الحكومة اليمنية في الفصل بين "القاعدة" والقبائل الجنوبية التي أصبحت الآن تدعم التنظيم أو تتقبّله.من أبرز الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش في أفغانستان والعراق كان التركيز بشكل مفرط على حلّ المشاكل الأمنية فوراً من دون الاستعداد لمواجهة تداعيات ذلك. سنحصد نتائج مماثلة في حال التركيز على تحسين الضربات المكافحة للإرهاب في اليمن من دون معالجة سياق المشكلة الأوسع المتمثّل بالتهديد الإرهابي المتزايد في ذلك البلد. إذا أرادت إدارة أوباما تجنّب إرسال القوات العسكرية إلى اليمن، فعليها اتخاذ خطوات جريئة الآن.Frederick W. Kagan & Christopher Harnisch* كاغان هو باحث مقيم ومدير "مشروع التهديدات الحرجة" في معهد "أميركان إنتربرايز"، وهارنيش هو باحث ورئيس فريق خليج عدن في "برنامج التهديدات الحرجة".