مناهج وزارة التربية في حاجة إلى تحديث وتطوير من دون أي شك أو تردد، فمخرجات التعليم العام لا تسر صديقا ولا عدوا من حيث الضعف في المحتوى العلمي واعتماد أسلوب التلقين المباشر والحفظ والرتابة المُملّة، ورغم الكثير من التحفّظات وعلامات الاستفهام على تجربة النظام الموحد والمفارقة العجيبة بين طريقة الامتحانات المكثفة والمتتالية وصعوبة المقررات وكثرتها من جهة، ونسب النجاح التي تم الإعلان عنها والتي تجاوزت الـ90 في المئة، يبقى الانتظار لمعرفة نتائج التحقيق في تسريب الاختبارات وتقييم هذه المرحلة بشكل موضوعي ومحايد عاملاً مهماً في الحكم على ذلك النظام العجيب والغريب.

Ad

ولهذا... فإن التفكير في فلسفة جديدة للتربية يكون عصبها الرئيسي المناهج الدراسية، ضرورة ملحة لإنقاذ التعليم في الكويت والارتقاء به إلى النمطية العالمية، مع المحافظة على قيم التنشئة المجتمعية والروح الوطنية والانتماء الإسلامي، ولهذا أيضاً، فإن مفهوم تطوير المناهج يجب أن يشمل جميع مواد الدراسة العامة، بما في ذلك مناهج التربية الإسلامية التي قد تكون مدعاة إلى جدل كبير وربما إحدى شرارات عودة الاحتقان الطائفي في الكويت، والذي يبدو أنه مُقدَّر له أن يطفو على السطح بين فترة وأخرى بقصد أو من دون قصد.

ولعل وزيرة التربية جانَبَها الصواب كثيراً في ما نُسب إليها من التصريح بأن تعديل مناهج التربية الإسلامية جاء بناءً على طلب النواب الشيعة في مجلس الأمة، لكن الإعلان عن مثل هذه التصريحات بالتأكيد لا يخدم أصل الموضوع بل على العكس قد يجر المجتمع إلى المزيد من الاستقطاب والاصطفاف الطائفي، وهذا ما بدأ بالفعل عبر التصريحات الصحافية المتقابلة والمتضادة لتلوح في الأفق بوادر حرب إعلامية مقيتة، وكان حري بالأخت الوزيرة وأركان الوزارة التسويق لفكرة تطوير المناهج ومنها الدينية في إطار وطني وضمن برامج التطوير والتنمية في القطاع التعليمي.

فمناهج التربية الإسلامية تحتوي على موضوعات خلافية ومثيرة للجدل، خصوصاً في ما يتعلق بالجوانب العقائدية والمستمدة من بعض النظريات والمدارس الدينية التي تعبر عن آراء واجتهادات خاصة، تصل إلى الطعن بمعتقدات المذاهب والمدارس الفقهية والإسلامية الأخرى، بل الأكثر من ذلك إلى إباحة دماء وأعراض وأموال المسلمين ممن لا يتفقون على ذات الأسس والمتبنيات، خصوصاً في ما يتعلق بالنذور وزيارة القبور التي تُفسَّر بسطحية وتتهم حتى بالشرك بالله، ومثل هذه القضايا إضافة إلى كونها مسائل خطيرة في طرحها كبرنامج مقنن وشبه يومي بين الأطفال والمراهقين من التلاميذ في مجتمع متعدد المذاهب، فإن بحثها وتحليلها ونقاشها تحتاج إلى عمق دراسي ومستويات عالية من الدراية والفكر، وعلى منابر الفقهاء والمتخصصين.

ومن الأخطاء القاتلة، محاولة زج مثل هذه الخلافات بين السُنَّة والشيعة، رغم أن الشيعة قد يشعرون بأنهم المستهدفون بما يعرض في بعض المناهج، فقضايا مثل زيارة القبور وغيرها هي اجتهادات قائمة على الجدل والنقاش وتفاوت الآراء، حتى بين المدارس السنّية عبر التاريخ، ولذلك، فإن الأسلم والأهم أن تقوم مناهجنا سواء في التربية الإسلامية أو التربية الوطنية على ترسيخ وتثبيت القواسم المشتركة، وهي الأغلب الأعم من أجل حماية النسيج الكويتي العام وغرس قيم المحبة والتسامح واحترام الرأي والرأي الآخر بين الجميع، وهذا ما يذهب إليه عدد من الموجهين والمعلمين في الميدان التربوي.

ومثل هذه القضايا يُفترض أن تُناقش في رحاب أهل الشأن والمؤتمنين على استقرار المجتمع ووحدته بعيداً عن أضواء الإعلام واختلاق البطولات والمزايدات السياسية من الأطراف المختلفة، وفي أجواء تحفظ لشبابنا وبناتنا حبهم لدينهم وأخلاق رسولهم الكريم وتعاليم القرآن، في ظل تفشي صور وثقافات الانحلال الخلقي والانحراف السلوكي بدلاً من التعصب والتطرف وإثارة الخلافات ومحاولة تخطئة الآخرين، ولنتّقِ الله في بلدنا وعيالنا ولنستلهم الدروس من التاريخ الطويل، إذ ثبُت أن الخلافات الدينية والمذهبية لم تجلب للجميع سوى الخراب والدمار، بينما لم تزحزح أي طرف عن التمسك بفكره وعقيدته والتشبّت بها أكثر فأكثر.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء