... كالأطرش في الزفة!
أعجبني ما ذكره الأستاذ سامي النصف في مقاله قبل أيام حين قال:"كان يفترض بالحكومة قبل أن تتقدم بقانون الخصخصةـ وقبله صندوق المعسرين وغيره من تشريعات- أن توزع وزراءها ومستشاريها لمدة شهر كامل على وسائط الإعلام- وهذا تماما ما تقوم به للعلم الديمقراطيات الأخرى- لشرح خططها للخصخصة وألا تكتفي كالعادة بحسبة تجنيدها للنواب ممن سيحرقهم تصويتهم المتكرر معها أمام ناخبيهم ممن لم يشرح لهم أحد فوائد ومزايا ما يطرح... هذا الغياب الحكومي لقواعد اللعبة السياسية القائمة على الحوار والرأي والرأي الآخر يقابله خطأ مماثل لدى بعض أطراف المعارضة ممن يعتمد على تهييج وتحريض الناس بشكل متواصل على مواضيع إما لم يتم استيعابها منهم بشكل صحيح أو تتم معارضتها كونها أتت من الحكومة، أي المعارضة لأجل المعارضة فقط دون التفكير بفائدتها للبلد، ومثل ذلك المعارضة بشكل مطلق لقضايا قابلة للنقاش والأخذ والعطاء".
كلام عاقل وموزون وضع به الأستاذ النصف يده على أساس المشكلة ومكمن الخلل، فحكومتنا- رعاها الله- لا تبذل أي جهد لتسويق مشاريعها للرأي العام، وهي تقوم بهذا مراراً وتكراراً دون أن تستفيد شيئاً من أخطائها السابقة، ولا تزال تتقدم بمشاريع قوانين ضبابية غامضة لدى معظم المواطنين لعدم توافر المعلومات والأرقام والإحصاءات التي تسند هذه المشاريع وتعطيها الرضا الشعبي الذي يتحكم في النهاية بالرضا النيابي، وهي بذلك تمنح معارضيها الفرصة لمناوءتها في "الطالع والنازل وعلى الفاضي والمليان"، دون النظر إلى كونها على حق أم على باطل، فالمهم عند عدد من النواب هو المعارضة لأجل المعارضة، فهم مجرد ظواهر احتجاجية تستمد شعبيتها من فشل الحكومة، في وقت أصبح فيه كل معارض لها كما الزبون... دائماً على حق! ولذلك... فكل الذين يرون في قانون الخصخصة محاولة لبيع مقدرات البلد وتسليمها لعدد من التجار والمتنفذين، لا يلامون أبداً لسوء ظنهم بهذا القانون، فالحكومة لم تسوقه إعلاميا، لا هو ولا ما سبقه من مشاريع، لسبب بسيط جداً هو أنها لا تحترم حق المواطن العادي في أن يعرف ما يجري من حوله، وترى أنها "أبخص" بمصلحته وأقدر على تمشية الأمور دون إقناعه بأهمية هذا المشروع ودوره في بناء مستقبل أفضل له ولأولاده من بعده، وتفضل أن يكون كالأطرش في الزفة، فالقضية في نظرها لا تتطلب سوى تقديم بعض العطاءات والتنازلات من أجل حصد أكبر عدد من الأصوات النيابية لتمرير أي قانون، وما عدا ذلك لا أهمية له، ونسيت هذه الحكومة الفذة أن أصوات معظم النواب مرهونة برغبات الناخبين ومدى قناعتهم بهذه القوانين!وكوني مواطناً لم تهتم الحكومة برأيه، ولم تكترث بشرح ما يحتويه قانونها من مزايا وفوائد، ونظراً لضبابية الموقف وانعدام الرؤية، فإنني كغيري من خلق الله أقف موقف المحايد منه المرتاب في نواياه، فلست معه ولست ضده، ولا أدري إن كان فيه فائدة للبلد أم أنه مشروع تنفيعي للبعض، فأنا لا أفهم بالمرة في المسائل الاقتصادية، وأحسب أن كثيراً من النواب في مجلس الأمة حالهم من حالي في هذا الأمر وربما أسوأ، ومن الصعب عليهم- إن لم يكن لهم منفعة بالأمر- أن يحددوا إلى أي جانب يقفون، وفي هذه الحالة سيكونون بحاجة ماسة إلى الاستعانة ببعض الخبراء الاقتصاديين المتخصصين بهكذا أمور ليشرحوا لهم بتفصيل ممل فوائد قانون الخصخصة ومضاره قبل أن يقرروا الوقوف إلى صف الحكومة أو معارضتها، وأن يحرصوا على مناقشة بنود القانون بتمهل وتأنٍ دون أدنى استعجال قبل اتخاذ أي موقف.والأهم من هذا كله، أن نرتقي بممارستنا الديمقراطية، فيتوقف بعض النواب في حال إقرار القانون عن كيل الاتهامات للنواب الآخرين ممن صوتوا معه، وأن يتقبلوا بصدر رحب ما تقرره الأغلبية النيابية، فالديمقراطية هي "رأي الأغلبية" وعلى الأقلية أن ترضخ لنتيجة التصويت دون تخوين الآخرين أو الزعم بأنهم قد باعوا ضمائرهم للحكومة كما يحدث في كل مرة، لأنه حتى على افتراض صحة هذا الزعم، فإن من يتحمل مسؤولية ذلك هم الناخبون الذين أوصلوهم إلى قبة البرلمان، وهم وحدهم من سيحاسبونهم في الانتخابات القادمة ويعاقبونهم باختيار من يستحق... هذا بالطبع مرهون بقوة ذاكرة هؤلاء الناخبين!