لذة الخوف!

نشر في 10-09-2009
آخر تحديث 10-09-2009 | 00:00
 حمد نايف العنزي هل شعرت يوما بلذة الخوف؟! وهل لاحظت أن الناس يستمتعون بالخوف أحيانا؟! وهل الخوف ضرورة إنسانية نحتاجها بين الفينة والأخرى؟! وهل رغبت يوما أن تكون خائفاً بعض الوقت وأنت راض كل الرضا عن هذا الخوف، مستمتعا به وراغبا في المزيد منه؟!

قد تستغرب هذه الأسئلة التي لم يسبق لك أن تساءلتها بينك وبين نفسك، ولك الحق في ذلك، فمن ذا الذي يستمتع بالخوف أو يرغب في العيش فيه؟! والجواب: أكثر الناس! لأن الخوف أو الحاجة إلى الشعور بالخوف تبدو وكأنها غريزة أساسية عند بني البشر لا يمكن أن يستغنوا عنها أو يعيشوا دونها!

كيف ذلك؟! سأحاول أن أشرح لك: لو ذهبت إلى أي محل للفيديو، ستجد عنده مجموعة من المجلدات تحوي أسماء الأفلام المتوافرة لديه، وسترى مجلدا للأفلام الكوميدية، وآخر للأفلام التراجيدية، وتحتهما أو فوقهما مجلد لأفلام الأكشن وآخر لأفلام الخيال العلمي، بجانب هذه جميعا ستجد مجلدا ضخما مخصصا لأفلام الرعب، وحسب كلام أصحاب المحال فإن أفلام الرعب هي الأكثر طلبا، والراغبون في اقتنائها من كل الأعمار، وهم مستعدون لدفع المال مقابل حصولهم على لحظات من الرعب والخوف تقدمها لهم هذه الأفلام، ولابد أنه شعور ممتع ورائع، وإلا... كيف يدفع المرء ثمنا له من جيبه!

وإن لم تقتنع فتوجه إلى أي مدينة للألعاب، وأنا أضمن لك أنك لن تجد زحاما كبيرا إلا على الألعاب التي تثير الخوف في قلوب الزوار كقطار الموت، أو الجندول، أو غيرها من الألعاب التي تسمع من بُعد صرخات من يشاركون بها، فما الذي تقدمه هذه الألعاب للناس كي يتزاحموا عليها هذا التزاحم الشديد؟!

لا شيء سوى لحظات من الخوف والرعب يذهبون إليها بملء إرادتهم دون إجبار من أحد وهم فرحون راضون، ليقفوا في طوابير طويلة من أجل جرعة من الخوف الممتع اللذيذ، يركبون، يصرخون، تنخطف ألوانهم، تتسارع دقات قلوبهم حتى تنتهي اللعبة، ليقسموا بعدها أغلظ الأيمان بأنهم لن يركبوها ثانية أبدا، لكنهم في المرة التالية ينسون قسمهم ويسعون إليها سعيا حثيثا!

وإن أردت دليلا آخر فانظر إلى كثير من النساء اللواتي يعشقن الرجل القاسي العنيف حتى يذبن في دباديبه، ورغم الخوف المستمر من قسوته، لكنهن مستمتعات بالخضوع له رغم الشكوى المستمره منه ومن العيشة الزفت معه والتي لا يطيقها بشر، ومع هذا يعشقنه ولا يتنازلن عنه، بل تغار إحداهن عليه من باقي النساء اللواتي يحسدنها على النعيم الذي ترفل به، نعيم خوفها الدائم الذي تعيش مستمتعة به وعلى استعداد لأن «تحرق» كل من تشاركها فيه!

وهي حال تشبه حال الشعوب المستعبدة التي تعشق جلاديها ولا تثور عليهم أو تحرك ساكنا رغم عشرات السنين من الاضطهاد والاستعباد المستمر، بل على العكس تماما، فهي تحلف برأس من يدوسها وتفديه بالروح والدم وإن لم تر في عهدة خيرا قط، حتى إذا مات وحمل على الأعناق ليوضع في قبره العفن، خرجت الجموع الغفيرة عن بكرة أبيها تبكي وتصيح وتولول على نهاية الخوف الذي اعتادت عليه... والرعب الذي ستحرم منه!

إذن، فمعظم الناس يستمتعون بالخوف ويرغبون فيه، ويبحثون عنه إن لم يجدوه، ويدفعون المال من أجل الحصول على بعضه، لأنه ضرورة إنسانية لا يمكن الاستغناء عنها، ولا تسألني عن سبب ذلك؟ لأنني لا أعلم... فالله وحده يعلم!

***

المقال أعلاه كتبته قبل أعوام، وتذكرته في الأمس حين كنت أتجول في أحد الأندية الرياضية وأشاهد مجاميع فرق الأشبال والناشئين من كل الألعاب وهم يتمرنون بحيوية ونشاط، دون أن أسمع أن تجمعهم واختلاطهم ببعض قد تسبب في انتشار إنفلونزا الخنازير بينهم، رغم أن أعدادهم تفوق ما هو موجود في أي مدرسة!

فهل مخاوفنا «المبالغ فيها» من انتشار المرض راجعة إلى رغبتنا في الشعور بالخوف والاستمتاع بلحظاته المثيرة، وأن وسائل الإعلام قد أدركت هذا فأصبحت تحذرنا من الوباء القاتل والقادم إلينا ليل نهار، وهو أمر ليس بمستغرب عنها، فقد فعلت هذا قبل عامين مع إنفلونزا الطيور، وقبل أعوام مع جنون البقر، ثم لم يعد أحد يتحدث عنهما، ولم يستفد من الأمر كله سوى شركات الأدوية؟!

الأرقام تقول إن حصيلة ضحايا إنفلونزا الخنازير خلال 4 أشهر لم تتجاوز 4 حالات، وهو العدد الذي يذهب أكثر منه يوميا بين قتيل وجريح ضحايا حرب الشوارع المرورية التي لا تنتهي، والتي لو أعطيناها ربع اهتمامنا بانتشار الإنفلونزا لأنقذنا الكثير من الأرواح البريئة التي تقضي نحبها كل يوم تحت عجلات السيارات، فيما نحن نناقش بحماس منقطع النظير تأجيل العام الدراسي من عدمه!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top