حمل الاستجواب المقدم من النائب ضيف الله بورمية بحق النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الأسبوع الماضي الرقم 50 في عدد طلبات الاستجواب المقدمة من النواب بحق الوزراء ورئيس الحكومة على مدى عمر التجربة البرلمانية في الكويت والممتدة 46 عاماً، مخصوماً منها عشر سنوات تعطل فيها البرلمان وعلق العمل خلالها بالدستور.

Ad

منذ تولي الشيخ ناصر المحمد رئاسة الحكومة في فبراير 2006 تعرض هو ووزراؤه في حكوماته الست المتعاقبة إلى 17 طلب استجواب، مدرج منها على جدول أعمال البرلمان حالياً 4، وسقط من الـ13 استجوابا المتبقية 9، إما باستقالة الحكومة أو الوزير وإما بحل المجلس، ليتبقى فقط 4 استجوابات هي التي تمت مناقشتها بالفعل، جدد فيها المجلس ثقته بوزيرين واستقال وزيران بعد تقديم طلب حجب الثقة.

رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد منفرداً قُدم بحقه ستة طلبات استجواب، قدم النائب فيصل المسلم اثنين منها خلال هذا العام، تعلق الأول (قدمه في مارس) بمصروفات ديوان رئيس الوزراء، وارتبط الثاني (قدمه الشهر الجاري) بالمصروفات أيضاً مضافاً إليها شبهة تقديم رئيس الحكومة أموالاً لنواب، كما ساهم مع النائبين أحمد السعدون وأحمد المليفي في تقديم أول استجواب لرئيس الحكومة في تاريخ الكويت (مايو 2006) على خلفية تردد الحكومة في موقفها من تعديل الدوائر الانتخابية، وتقدم النواب وليد الطبطبائي، وعبدالله البرغش، ومحمد هايف (نوفمبر 2008) بطلب استجواب الرئيس لمسؤوليته عن استثناء السيد محمد الفالي من دخول البلاد.

وفي شهر مارس الماضي وحده تعرض الرئيس لثلاثة طلبات استجواب، كان أولها كما ذكرت سابقا للنائب فيصل المسلم، ثم نواب «حدس»، ناصر الصانع وجمعان الحربش وعبدالعزيز الشايجي، حول ضياع هيبة الدولة والتجاوزات في مصروفات ديوان الرئيس، ليلحقهم النائب محمد هايف باستجواب حول هدم مسجد الفنيطيس.

حكومات الشيخ ناصر المحمد هي الأكثر تعرضاً للاستجوابات، مقارنة بحكومات الرؤساء السابقين، إذ قُدم طلبان فقط لوزيرين في حكومة الشيخ صباح السالم (1963- 1965)، و4 في حكومات الشيخ جابر الأحمد (1965- 1977)، و21 لوزراء حكومات الشيخ سعد العبدالله (1978- 2003)، و6 في عهد الشيخ صباح الأحمد (2003- 2006) قبل تولي سموه مقاليد الإمارة.

إن المعطيات السابقة تؤكد أن هناك خللاً ما يعتري العلاقة بين المجلس والحكومة، وجميع المخارج التي سلكتها الحكومة لتفادي صعود رئيسها ووزرائها إلى المنصة زادت من حدة التعاطي مع هذا الملف، وعاد بعضها وبالاً عليها، خصوصاً بعد دخول مؤسسات إعلامية على الخط، وتحول نواب في البرلمان إلى ناطقين باسم الحكومة، ما حوَّل المواجهة بين الوزراء والنواب من البرلمان إلى الصحف والقنوات الفضائية، وساهم في تعميق الأزمة أكثر، وحوّل جانباً منها إلى مسألة شخصية أكثر منها ممارسة سياسية.

المزعج في استجواب رئيس مجلس الوزراء من النائب فيصل المسلم أن هناك اتهاماً صريحاً بتقديم الشيخ ناصر المحمد أموالاً إلى نواب في البرلمان، وبموجب دليل مادي، لم يتم نفيه رسمياً حتى الآن، وما يثير الاستغراب أن جميع الأطراف المرتبطة بهذا الموضوع بشكل مباشر أو غير مباشر بيّنت رأيها عدا صاحب الشأن نفسه، فقد رأينا النائب المسلم يعرض صورة من شيك مسحوب من بنك، لينشر بعدها البنك بياناً خاصاً بهذه المسألة، ثم ينفي وزير الديوان الأميري الشيخ ناصر الصباح أي صلة تربطه بالموضوع، وكذلك محامي رئيس مجلس الوزراء، وقبلهم وكيل ديوان الرئيس، لننتهي أخيراً بأن الجميع تحدث في هذه المسألة الحساسة عدا صاحب الشأن، وهو ما يطرح السؤال الأهم، لماذا نقف معه؟

الشيخ ناصر المحمد لم يترك لي مجالاً لدعمه ومساندته، فمنذ توليه منصبه والبلد يفتقد الاستقرار الحكومي والنيابي، وحكوماته باعتنا أحلاماً لم نرَ أيا منها يتحقق على أرض الواقع، والقوانين التي أنيط بحكوماته تطبيقها، رأيناها تطبق في الآونة الأخيرة ومنها قوانين الإصلاح الرياضي، أما تنموياً فأول مشروع حقيقي في عهده كان مستشفى جابر، وهو المشروع الذي شهد توقيع عقد إنشائه بعد ثلاثة أعوام من وضع حجر أساسه، ناهيك عن القرارات التي اتخذتها الحكومة وأبطلها القضاء، أما مسألة تقديمه أموالاً لنواب، فإن صدقت فهي كفيلة بإسقاط الحكومة مجتمعة، وهو ما يتطلب منه المواجهة وتبيان الحقائق في جلسة علنية لأتمكن كمواطن من معرفة أسباب تقديم رئيس الحكومة أموالاً لنواب في البرلمان، ومن الذين ائتمناهم على الرقابة وتلقوا أموالاً ممن يراقبونه؟