قرار مجلس الوزراء العراقي الأخير بحل الخطوط الجوية العراقية، واقترانه رسمياً بإفادات من مسؤولين عراقيين بأن الهدف منه التهرب من التزامات قانونية تجاه دولة الكويت، وقبله التصريحات الاستفزازية من رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته نوري المالكي أيضا تجاه الكويت، هي ممارسات متهورة وتمثل انتكاسة حقيقية في العلاقات بين البلدين، وتبدد كل ما تم عمله لبناء الثقة وعودة المياه إلى مجاريها بعد التجارب الصعبة التي خاضها العراق مع الكويت، بسبب عدم تسليم الأنظمة العراقية المتتالية بحقائق التاريخ والواقع الدولي الحديث، التي دفع الشعبان الكويتي والعراقي أثماناً غالية نتيجة إنكارهم للحقوق الكويتية والتعدي عليها سياسياً و عسكرياً.

Ad

السياسيون العراقيون يتصرفون خارج المنطق والمسار الطبيعي والواقعي لأحداث التاريخ، فهم يريدون أن يقلبوا صفحة الغزو العراقي للكويت، وما لحق بها من أحداث وكوارث دون أي التزام وبرمشة عين، بينما التاريخ يقول إن ألمانيا واليابان مازالتا لديهما التزامات داخلية ودولية بعد مرور أكثر من 60 عاماً على الحرب العالمية الثانية، وفناء الأجيال الألمانية واليابانية التي أشعلت الحرب، وتناوب أطقم مختلفة من السياسيين على حكم البلدين دون أن يحاولوا التملص أو التهرب من الالتزامات التي نتجت عن إشعال أسلافهم تلك الحروب.

أنا أعي ومن يتابع السياسة الخارجية الكويتية أنها لا تسعى إلى تكبيل العراق وجعله أسيراً لممارسات قادته السابقين، ولكنها في نفس الوقت لا يمكنها أن تتخلى عن حقوق شعبها، وتأمين مستقبله عبر علاقات مبنية على الثقة والأفعال، وليس على الكلام المرسل في الاجتماعات الثنائية المغلقة، الذي يختلف من نفس المسؤولين العراقيين وكل التنظيمات السياسية العراقية في التجمعات الجماهيرية العراقية من الحديث صراحة وغمزا عن عدم الاعتراف بالترسيم الدولي للحدود بين البلدين والحقوق التاريخية المختلقة في الكويت وتخرصات سرقة حقول الجنوب النفطية، بالإضافة الى التقاعس الرسمي من بغداد عن التعاون في صيانة العلامات الحدودية بصفة دورية منتظمة.

كل هذه الممارسات العراقية لن تبني جسور العلاقات الطبيعية، ولن تعزز الثقة بين البلدين، ولن تقلب الآية لتجعل المجني عليه يتحمل مسؤولية بناء الثقة، بل هي مسؤولية من حدده المجتمع الدولي كجان حتى لو لم يكن هو الفاعل بيديه، ولذلك على الإخوة في العراق أن يتركوا نبرة غطرسة البعثيين وتعالي طارق عزيز، ولا يعتبرون الكويت مجدداً الجار الأضعف الذي يمكن التجاوز عليه وعلى حقوقه، لأن تجاربهم السابقة أثبتت عكس ذلك تماماً، ويبحثوا فعلياً وبجدية عن مبادرات تجعل البلدين ينخرطان في مرحلة جديدة من ارتباط المصير والمصالح التي ينتج عنها علاقات طبيعية ومستقرة، وفي هذا السياق أتساءل: لماذا لا يفكر العراقيون في مبادرة إحياء مشروع نقل مياه شط العرب إلى الكويت؟، والذي درس بين البلدين في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وكلفت شركة ألمانية بحثه ووضع التفاصيل الفنية له، على ما أعتقد، وكانت مؤسسات علمية كويتية على وشك إنشاء أقسام علمية لتخريج كوادر من مهندسي الري وتقنيات نقل المياه لدعم المشروع لولا اكتشاف الكويت لاحقاً مخادعة النظام الصدامي وعدم جديته في تنفيذه.

نحن في الكويت لدينا احتياجات متنامية من المياه والطاقة، وسواحلنا الممتدة على 120 كيلومتراً فقط لن تسع المزيد من بناء محطات التحلية للمياه مع إطراد زيادة عدد السكان وكلفة تلك المحطات العالية، فهل يبادر أهل العراق إلى طرح مبادرة كبيرة لإحياء مشروع نقل مياه شط العرب إلى الكويت، يمكنها أن تعزز الثقة وتجعل شرياني حياة الشعبين الكويتي والعراقي متصلين، فتصبح كل الملفات بين البلدين أكثر قابلية للحوار والتسوية العادلة على قاعدة القرارات الدولية والالتزامات القانونية... فهل يبادر ويفعلها أهل العراق ويسقوننا؟