ينسب إلى معاوية بن أبي سفيان أنه قال:

Ad

ما أفشيت سري إلى أحد إلا أعقبني طول الندم وشدة الأسف... ولا أودعته جوانح صدري... إلا أكسبني ذلك مجداً وسناء ورفعة!

***

في صفحتي في "الفيس بوك" وجهت سؤالا للأصدقاء هو: كم مرة اؤتمنت على سر لكنك أفشيته؟!

الإجابات كانت قليلة، ومن أصدقاء استخدموا أسماء مستعارة وصورا رمزية، وهو أمر طبيعي ومتوقع، فمن ذا الذي سيأتي باسمه الحقيقي وصورته المعلومة ليقول إنه يفشي الأسرار، وهو من اؤتمن على سر من هذا وسر من ذاك؟! معنى ذلك أنه سيتعرض لعدد من الاستجوابات ولن يأتمنه أحد بعد ذلك، المهم أن معظم الإجابات- على قلتها- كانت إقرارا بعدم القدرة على حفظ السر، وأن معظم الأسرار ثقيلة لا يقدر المرء على حملها وحده، فيشارك-مرغما- الآخرين بها!

وقد صدق الإمام الشافعي حين قال:

"إذا ضاق صدرالمرء عن سر نفسه... فصدر الذي يستودع السر أضيق"!

وليست كل الأسرار تفشى بنية سيئة، فمعظمها يفشى بنية حسنة، كمحاولة الإصلاح بين شخصين، أو الرغبة في إيجاد حل لمشكلة ما أحد طرفيها صاحب السر العزيز على قلبك، والذي حين أفشى لك بسره كان ينتظر منك الكثير الذي لا تستطيع تقديمه له... وإليكم مثالا على ذلك:

تحت عنوان "انتفع بتجاربي" كتبت "إلينور رايس" في مجلة "يور لايف" تقول:

كان لصديقتي "إيمي" مكانة كبيرة في قلبي، فلما أنبأتني بما بينها وبين زوجها من مشاكل، همني الأمر كثيرا، ففاتحت صديقتي "سو" في شأنه، وهي أهل للثقة، ومن النساء اللواتي لا يصرفن وقتهن في القيل والقال، وقلت لها: "لقد أسرته "إيمي" لي ثقة بي... فاكتميه"، فقالت: "بلا شك... تستطيعين أن تطمئني إلي تماما".

بعد أسبوع... واجهت "إيمي" مصادفة وذراعها في ذراع زوجها كأنهما قد تصافيا، فحييتهما فرحة بذلك، لكنني ذهلت حين رأيتهما لا يعبآن بتحيتي وكأنهما لم يعرفاني قط، فأمسكت بذراعها وقلت: "لا أعلم سبب هذا الجفاء، لكنني لن أدعكما تشيحان عني دون أن أعرف السبب"!

فثارت ثورة "إيمي" وقالت: "أسررت إليك بما بيني وبين زوجي، ولم أنبئ أحدا سواك من الناس، فرحت تذيعين الخبر يمينا وشمالا، ولولا ستر الله لقضيت على زواجنا قضاء مبرما"! والواقع أنني لم أخبر أحدا سوى صديقتي "سو" وعرفت منها أنها لم تذع الخبر، لكنها حدثت به زوجها لا غير، وقالت: إنني أفضي إلى زوجي بكل شأن، ألا ترين أن النساء جميعا يفضين إلى أزواجهن بكل شيء؟!

فقررت أن أتقصى الحقيقة، فما وجدت مشقة في ذلك، والعجيب أنني اكتشفت أن أحدا لم يذع السر، لكن كل منهم كتمه على طريقته الخاصة في كتمان الأسرار، وجميعهم كانوا مهتمين بقصة إيمي حبا لها ولزوجها، فتحدث كل منهم سرا مع صديق يثق به!

فقد روى زوج "سو" لشريكه في المحل، فرواه هذا بدوره لزوجته، لترويه لأعز صديقاتها، فنقلته هذه لزوجها الذي يعمل في مكتب "دان" زوج "إيمي"، وذات صباح، ربت هذا الرجل على كتف "دان" وواساه فيما سمعه عن متاعبه الزوجية... وسط ذهول الأخير!

فتعلمت درسا كلفني ثمنا فادحا، فقد خسرت صديقين من أعز الأصدقاء، وكان ما حدث خليقا بأن يدمر سعادتهما، ومثل هذا كثير... يتم دون أن يقصد المرء الإساءة إلى غيره.

واليوم... حين أسمع اليوم أحدا يقول: "هذا سر بيني وبينك... فلا تذكريه لأحد" أغير الموضوع، وكنت فيما مضى أحب القيل والقال، لكنني أعرف الآن أن الطريقة الوحيدة لكتمان السر، سرك وسر غيرك، هي ألا تفشيه لأحد كائنا من كان من الناس... وألا تستثني منهم أحدا بالمرة... أبدا أبدا"!