شهر رمضان بفضل متدينينا تحول إلى موسم للتجارة، أوله بيع، وأوسطه شهرة، وآخره إثراء لشيوخ الدين، وهو المفترض به أن يكون شهر المغفرة والرحمة.

Ad

عاد علينا موسم رمضان، وعادت معه شكلياته وناسه، وبرامج تلفزيونية، وشيوخ دين ينافسون نجوم الفن على ساعات البث، وإعلانات تستجدي التبرع وتحصيل الزكوات والصدقات، وأعمال درامية يغلب عليها الهبوط، وأدعية على منابر مساجد دين التسامح بزلزلة الأرض تحت الخصوم، وتشتيت شملهم من يهود ونصارى ومشركين، إلى آخر سلسلة البشر المشتومين.

شيوخ دين امتهنوا التجارة، يبيعون الدين، تجدهم منتشرين على القنوات، بعضهم يطل بشكل حصري، وآخر برنامجه مباشر، وبينهما من يعرض له أكثر من برنامج على أكثر من قناة، وفقا لمبدأ الأجر مقابل العمل، أجرهم نقدي وعيني وعمولات من شريط الرسائل القصيرة، ناهيك عن مبيعات الأدعية وأعمال الرقية الشرعية وتفسير الأحلام وخدمة الإفتاء.

شهر رمضان تحول إلى موسم تجاري، الكل ينتظره ويحضر له، يعرض بضاعته، وكلما تميز العرض زاد المقابل، والجمهور مجتمعات يغلب عليها السطحية، وشعوب فقيرة ومرفهة، قاسمها الرغبة بدخول الجنة بأدنى جهد، صدقة بدينار، «تسبيل» كتاب أدعية، إهداء شريط، تبرع بمسج، وكأنهم يصبون رغباتهم لدى كهنة ورهبان العهد الجديد، ممن يوزعون على الناس الأمل ويبيعونهم رحمة رب العالمين، ليتلقوا مقابلها ثمنا في الدنيا، ويحتسون ما يقومون به أجرا في الآخرة.

دولتنا متهمة برعاية الاتجار بالبشر، والفساد المالي ينهش أجهزتها، يعيش فيها ألوف تحت خط الفقر، وتمارس حكومتنا تسلطا حقيقيا على البدون وأصحاب الدخول الضعيفة من عمال بسطاء وخدم منازل، وتعاني تطرفا طائفيا، ونفوذا دينيا سنيا لافتا، لكنها مع هذا تفاخر بدعمها الوسطية، وتؤكد أهمية التسامح، فيما تفتح منابرها لشتم الناس والدعاء عليهم، وتغض النظر عن جمع التبرعات والتسول، وتراعي في خريطة برامج تلفزيونها الرسمي أن يحصل رجال الدين على غلتهم من ساعات البث، في الوقت الذي تدخل فيه منافسة تقديم الدراما والكوميديا وبرامج المسابقات.

موسم رمضان يكشف لنا سنويا مدى التناقض الذي نعيشه، فالمساجد تغص بالتائبين والمستغفرين، فيما يصرخ نواب التشدد من تفشي الفساد انتشار الرذيلة، وتجد الموظفين خلاله معتكفين بالمكاتب، يتعبدون أثناء أوقات العمل الرسمي بقراءة القرآن والصلاة، ليتفرغوا بعدها لمشاهدة التلفزيون وتبادل الزيارات.

بعض شيوخ الدين يثرون على حسابنا، ويسألوننا التبرع بحثا عن الخير، ولا يكلفون أنفسهم تقديم جزء يسير مما يكسبون، ولن ننسى طبعا نفاق التواصل الاجتماعي بالرسائل القصيرة مع من نريد تذكيرهم فقط بأن بياناتهم محفوظة في ذاكرة هواتفنا النقالة.

شهر رمضان بفضل متدينينا تحول إلى موسم للتجارة، أوله بيع، وأوسطه شهرة، وآخره إثراء لشيوخ الدين، وهو المفترض به أن يكون شهر المغفرة والرحمة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء