في السفارات الأميركية في الدول المصنفة "من مصادر الإرهاب"، أي أن شعوبها إرهابية لا حكوماتها، عند تعبئة طلب تأشيرة الدخول إلى أميركا، تقرأ سؤالاً مدهشاً: "هل تعتزم القيام بأعمال إرهابية في أميركا؟ نعم أم لا؟"! لا إله إلا الله، ثم تقرأ بجانبه سؤالاً آخر: "إذا كانت الإجابة نعم،؟ فلماذا؟". الله على هذين السؤالين العظيمين، والله الله على العبقري الذي وضعهما محتقراً صاحب المثل: "قالوا للحرامي احلف... إلخ".

Ad

ولا أدري هل الأميركان – الذين يذهبون إلى القمر ويعودون كما نذهب نحن إلى المستوصف، والذين صنعوا الطائرات والغواصات والصواريخ الذكية والصواريخ النص نص التي تصيب المدنيين غالباً – هل هم دراويش يمتلكون كميات هائلة من الغباء المستفز، أم أنهم صادقون وشفافون حتى الموت ويعتقدون أن الآخرين مثلهم، و"كلٌّ يرى الناس بعين طبعه"، كما في المثل، وأن الإرهابي سينهار أمام هذين السؤالين ويجثو أمام القنصل الأميركي على ركبتيه وينتحب وهو يعترف ويشرح خطته في التفجير وتوقيتها وأسبابها قبل أن يطلب الغفران والسماح... وات از ذيس يا أميركا؟ ريلي، ماي آي أُن يو كولد.

وفي الكويت، التي يبدو أن تعيين الوزراء فيها يتم بالقرعة كما تفعل قبيلة الطوارق، حيث يجمع شيخ القبيلة آباء المواليد الجدد، ويضع أمامهم الأسماء، ثم يجري القرعة، وأنت ونصيبك، فقد تكبر فتجد أن اسمك "حنتاشي"، وقد يكون حظك أفضل ويرزقك الله باسم حديث، "حلاكة" مثلاً، أو "رغيط"، وقد تسوء الأمور معك فتُرزق بـ"قسلوط"... ولسوء حظ الشعب الكويتي، ولحسن حظ الشيخ أحمد العبدالله، صارت "النفط والإعلام" من نصيبه في القرعة، فاجتمع معاليه – كما يبدو – مع وكلائه ومساعديه في الوزارتين، وطرح عليهم سؤالاً من الطراز الأميركي: "هل ستعبثون بالوزارتين؟"، فأجابوه: "لا، طال عمرك"، فشكرهم وأمرهم بالانصراف: "تصبحون على خير، أيقظوني وقت المهمات الخارجية وافتتاح المعارض"، وغطّ في غيبوبة سياسية وإدارية، وترك الحبل على غارب الجمل، وارتفع الشخير.

لذلك، عندما صرخ الناس غضباً: "ما هذه القناة الوقحة التي تستهزئ بالناس وعاداتهم وبيئتهم، قبل افتتاحها"، وواصلوا: "أوقفوها قبل أن تندلع النيران"، لم يرد عليهم أحد. والخطأ هنا لا يتحمله الوزير، بل الوكلاء والمساعدون الذين لم يوقظوه من نومه، والنائم مثل الغائب عذره معه، إلى أن استيقظ معاليه بنفسه مذعوراً  على دوي الانفجار، وهرول إلى وزارته قبل أن يغسل وجهه.

واليوم، هناك من يطالب باستجوابه كي يدفع ثمن نومته، وهناك في المقابل فريق يجنح إلى التهدئة لأسباب وجيهة، منها أن معالي الوزير مرفوع عنه القلم سياسياً، وأن الحكومة اليوم أدركت خطورة ما تم. لكن الفريق هذا يشترط أن تحاسب الحكومة وزراءها في المرات المقبلة ولا تنتظر إلى أن يحاسبهم البرلمان، أما إذا اغترّت  الحكومة بأغلبيتها "العاقلة" وتمادت في قهر الأقلية واستفزازها بتعمد ارتكاب الأخطاء، فقد لا تضمن لها الأيام ما سيحدث، إذ ليس مستبعداً أن يخرج الأمر من باب البرلمان إلى الشارع العام، حيث الفوضى والفتنة تنتظران على أحر من الفرن.

كلا الفريقين حجته ودوافعه مقبولة، ولا مانع من مناقشة الحجتين برويّة قبل اتخاذ القرار.