أما وقد باشرت السلطتان التشريعية والتنفيذية عملهما فأول ما يجب أن يلتفتا إليه هو إرث الفساد الثقيل الذي استفحل وانتشر في كل قطاعات الدولة، وكان السبب في الركود والشلل والانحطاط والإحباط الذي نعانيه حتى ابتلينا بثقافة الفساد الذي أصبح «واثق الخطوة يمشي ملكا»... فأصبح فسادنا قائدا ناجحا يمتاز بالثبات والتركيز وصنع الظروف المعيقة لأي تغيير أو تطور، لذا على السلطتين إدراك الحاجة القصوى لصياغة رؤية استراتيجية تعمل على خلق فلسفة جديدة للحكم الصالح والمواطنة الصالحة على حد السواء... ولن يتأتى ذلك إلا من خلال حكم القانون... تلك هي الفلسفة التي جعلت فنلندا من أكثر شعوب العالم سعادة ومن أقل (إن لم تكن الأقل) دول العالم فسادا بسبب عوامل مهمه كالشفافية وانعدام الفساد الإداري والعدالة الاجتماعية والاستقلال التام للقضاء والضمان الصحي الممتاز ومناخ الحرية الشخصية والعلمية التي تخلق مواطنة صالحة منتجة وضميرا حيا واعيا، بالإضافة إلى اهتمامهم بجودة التعليم التي عبرت عنه رئيسة جمهورية فنلندا بقولها «إن وراء تطوّر وتقدّم فنلندا ثلاثة أسباب هي: أولا التعليم الجيد وثانيا التعليم الجيد وثالثا التعليم الجيد». تلك هي السبل الناجعة نحو بناء الحكم الرشيد الصالح ومن ثم المواطنة الصالحة وبالتالي التقدم والتطور والسعادة.
وبالرغم من ترديدنا كلمة «الحكومة الرشيدة»، فنحن أبعد ما يكون عنها... فحكومتنا هي السبب الرئيسي في تأخرنا بسبب سياساتها الرعوية التي جذرت ثقافة الفساد والفساد بطبيعة الحال ألد أعداء التنمية... فالاعتماد الرئيسي على الدولة يؤصل من ثقافة التبعية والاتكالية عوضا عن المسؤولية والشراكة... ويعمق نمط كسب الولاءات والعصبيات الطائفية والقبلية ليطغى الولاء للأسرة والقبيلة والطائفة على الولاء والانتماء للوطن... الأمر الذي أدى إلى تراجع مبدأ سيادة القانون ومساواة الجميع أمامه مما أدى بدوره إلى اضمحلال دور الدولة، وفي ذات الوقت إفساد المؤسسات الديمقراطية، المنوط بها محاربة الفساد لا العكس، بسبب لجوء المواطنين إلى نواب الخدمات الذين انشغلوا عن قضايا التنمية والإصلاح والمصالح العامة وأصبح الكثير منهم مجرد مخلصين لمعاملات المواطنين القانونية وغير القانونية المكتسبة وغير المكتسبة على حساب حقوق الآخرين، لأغراض انتخابية، مستغلين بذلك مأسسة الفساد وتردي خدمات الدولة والبيروقراطية العقيمة، وبالتالي أصبح الناس يشعرون بفضل هؤلاء النواب عليهم عوضا عن تكريس ثقافة حقوق وواجبات المواطنة وتكافؤ الفرص، مضطرين بذلك إلى إعادة انتخابهم، حتى أصبحنا ندور في حلقة مغلقة لا نعرف كيف نخرج منها، لقد كان لتلك الأسباب الأثر الكبير في إحداث خلل جوهري مكن من ثقافة الفساد السائدة ألا وهو «المواطنة المنقوصة» وسببها باختصار الحكم غيرالرشيد. وعند الحديث عن الفساد يصعب علينا تجاهل الدور الريادي الذي تقوم به جمعية الشفافية الكويتية ورئيسها النشط د.صلاح الغزالي الذي أكد أن الترتيب السنوي للكويت في ما يتعلق بمؤشر مدركات الفساد «يتجه نحو التراجع الحاد» بالرغم من مرور أكثر من ست سنوات على توقيع الحكومة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، «ففي العام 2003 كانت الكويت في المركز 35 وفي عام 2004 حلت في المركز الـ 44 وعام 2005 في المركز الـ 45 وفي عام 2006 حلت في المركز الـ 46 وتراجعت في عام 2007 الى المركز الـ 60 وأما في العام 2008 فحلت في المركز الـ 65». ولن يتحقق الحلم في أن تكون الكويت مستقبلا مركزا ماليا وتجاريا ما لم نبدأ فعليا في خطوات صريحة وجريئة في تطبيق معايير الحكم الصالح وهي حسب تشخيص د.الغزالي: «مأسسة الإصلاح، الرؤية الاستراتيجية، المشاركة الواسعة المبنية على قاعدة شرعية حقوق الإنسان، حكم القانون بشكل يشتق أصوله من قوانين السلامة العامة والأمن المجتمعي، الشفافية بشكل يضمن التدفق والتبادل الحر للمعلومات، جودة عالية لخدمة الجميع، المصلحة العامة، المساواة في تكافؤ الفرص، تحقيق حاجات الجمهور، والمحاسبة»، مشددا على ضرورة أن «محاولات تعزيز الشفافية حالة مؤسسية ونظام عام تعيشه مؤسسات الدولة بدلا من مطالبات هنا ومحاولات هناك»، ومنوها إلى ضرورة « تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وقانون الكشف عن الذمة المالية وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد». إن علاقة التنمية الإنسانية المستدامة بالحكم الصالح الرشيد هي علاقة متلازمة لا ينفك أحدهما عن الآخر... وكما أن الفساد يبدأ من قمة الهرم إلى القاعدة فإن الإصلاح كذلك يبدأ من الحكم الصالح لينتج مواطنة صالحة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
الحكم الصالح... والمواطنة الصالحة
08-06-2009