ترأس محاضر محمد أو "مهاتير" كما درج اسمه في وسائل الإعلام العالمية الحكومة الماليزية اثنين وعشرين عاما (1981-2003)، نجح خلالها في نقل ماليزيا من دولة ضعيفة تمزقها الصراعات الاثنية والدينية ومن دولة اقتصادها فقير يعيش على عدد محدود من المنتجات الزراعية، ولا يزيد متوسط دخل الفرد فيه على 200 رينجيت ماليزي سنويا إلى دولة حديثة قوية ذات قدرات تنافسية هائلة على المستوى الدولي.

Ad

لقد أنجزت ماليزيا ذلك التحول القياسي عبر أربع خطط تنموية خمسية، أشرف "مهاتير" على وضعها وتنفيذها إشرافا مباشرا. وكانت هذه الخطط واضحة المعالم والأهداف متسمة بالطموح وبالواقعية في آن ومتميزة بالتوازن والشفافية. وقد أعطت هذه الخطط الأولوية للتعليم والبحث العلمي وأرست نظام محاسبة يحكمه مبدأ الثواب والعقاب، وتمكنت من بناء بنية تحتية حديثة متطورة وقطاع صناعي عملاق قاعدته الصناعات ذات التقنية العالية. وتمكنت ماليزيا بفضل تلك الخطط والجهود من تحقيق تطور نوعي في إنتاجية المواطن، مما أدى إلى ارتفاع متوسط دخل الفرد بحلول عام 2003 إلى أكثر من 15 ألف رينجيت ماليزي، أي بما يزيد في قيمته الحقيقية على متوسط دخل المواطن الأميركي.

وكان من أشد ما حرصت ماليزيا على تحقيقه خلال نهضتها التنموية هذه هو توحيد الرسائل الاقتصادية الموجهة إلى المواطنين، حرصا على تناغم وتناسق الجهود الوطنية. وقد أكد "مهاتير" في أكثر من مناسبة أن "توحيد الخطاب الاقتصادي والرسائل الموجهة إلى الشعب قد لعب دوراً رئيسياً وحاسماً في دفع عجلة التنمية في البلاد".

في الكويت، عندما تبنت الحكومة الخطة التنموية الجديدة، بعد أن استحدثت موقع نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، تفاءلت أوساط عدة بأن الدولة قد حزمت أخيراً أمرها وقررت توحيد محتوى الرسائل الاقتصادية التي يتلقاها المواطن من أجهزة الدولة المختلفة بخصوص التوجهات التنموية، وأن التناقض الذي غالبا ما تتسم به الرسائل الاقتصادية التي توجهها حكومات البلدان النامية إلى شعوبها في طريقه إلى التلاشي، وأن كل الجهود سوف تصب في اتجاه الأهداف التنموية المعلنة في الخطة.

وكانت الخصخصة في مقدمة أولويات الخطة التي أقرها مجلس الأمة وأصدرها بقانون ملزم، وقد حشدت الحكومة جهودها على مدى الشهر المنصرم باتجاه دعم مشروع القانون بشأن عمليات التخصيص، ولكنها أقرت في الأسبوع الأخير من ذلك الشهر، عددا كبيرا من الكوادر والبدلات والزيادات لموظفي القطاع العام على نحو يتعارض مع أي توجه نحو التخصيص، بل ويقوّض أية محاولات أو جهود هادفة إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي للدولة وهو تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري.

وإلا فكيف يمكن أن تتفق قرارات الكوادر والبدلات الجديدة مع هدف تفعيل دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي؟ وكيف تتفق هذه القرارات مع التوجه نحو الخصخصة، وما تطرحه الخطة من الحد من هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي؟ ثم ما هو حجم الأثر السلبي الذي تتركه مثل هذه التناقضات على نفسية المواطن وقناعاته بالنسبة للتوجهات التنموية للدولة؟ هذه حزمة من الأسئلة المشروعة أو لنقُل علامات التعجب المستحقة!