حضرت أمس جلسة استجواب وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد من قبل النائب مسلم البراك، وكما هي العادة بعد كل أزمة سياسية أخرج دائما أكثر تشاؤما من المستقبل، ومنتظرا أن تحل الأزمة المقبلة.

Ad

أبرز ما لفت انتباهي أمس أن مقاعد الجمهور امتلأت عن بكرة أبيها بالحضور، وأثارني أن عددا كبيرا من موظفي الدولة تركوا وظائفهم للتفرج على «المنازلة» بين الوزير ومستجوبه، وكأن المسألة بالنسبة لهم مجرد «بلاغة شف» أو إشباع فضول، بمن فيهم موظفو الأمانة العامة لمجلس الأمة أنفسهم، فازدحمت القاعة، وجلس على مقاعد كبار الزوار موظفون صغار، وتمتع أشخاص غير إعلاميين بمقاعد الصحافيين، فانتابني إحساس بالغربة، خصوصا من نماذج لمواطنين احتفوا بانتصار النائب المستجوب وفريقه، فيما لايزال يفصلنا أسبوع عن موعد جلسة طرح الثقة بالوزير.

تخلل مجريات جلسة أمس تلاسن وصراخ بين حرس المجلس وعدد من المواطنين، ومُنع من هم في داخل القاعة من مغادرتها خوفا من عدم تمكنهم من العودة، وتابع عدد من الحضور الجلسة وقوفا على أطراف «الدرابزين» الرخامي، وآخرون تابعوها جالسين على الأرض، أو على السلالم، وهو ما كشف قصورا حقيقيا في الإدارة، إذ طالما دأبت الأمانة العامة على غلق الأبواب متى ما اكتمل عدد الجمهور، إلا أن ما حدث بالأمس كشف قصورا تمثل بدخول ضعفي العدد الذي يستوعبه البرلمان، ولكم تخيل المشهد.

سياسيا، ما حدث أمس كان استعراض عضلات بالنسبة لكثيرين، ومأساة لمن يخشون على مستقبل البلد، فوزير الداخلية اتُهم بتجاوز مالي يبلغ خمسة ملايين دينار كويتي، وهو مبلغ ليس بهين ولا ينبغي السكوت عنه بالطبع، بينما هناك وزراء غيره متهمين بتبديد مئات الملايين ولا يزالون على كراسيهم حتى الآن، أضف إلى ذلك، أن استجواب وزير الداخلية لم يتطرق لقضايا الأمن والعنف والجرائم والمخدرات وغيرها من مسائل تدخل في صلب اختصاصه، وهو ما تكرر قبل عام ونصف مع وزيرة التربية السابقة نورية الصبيح حينما استجوبت على قضايا لا علاقة لها بالتعليم أو المناهج الدراسية، فقط لأن الممارسة تحولت إلى «تصفية حسابات».

أما أكثر ما آلمني، فهو الزج بأسماء رموز وشخصيات قامتها أكبر في تاريخ الكويت من استجواب مسلم البراك لوزير الداخلية، ومنهم العم محمد الرشيد وحمد الجوعان والشهيد مبارك النوت وأحمد الربعي، ومناضلون شاركوا في ديوانيات الاثنين وحركة نبيها خمس، وآخرون أعلوا مصلحة الكويت على مصالحهم، وعدد من الأحرار الذين اُختطف بالأمس نضالهم، وتم تجييره رغما عنهم لمصلحة النائب المستجوب وفريقه ومناصريهم.

لدينا مراهقون في البرلمان والشارع، كلاهما لا يعرف الفرق بين فرد العضلات والممارسة السياسية، وكلاهما يتذرع بالدستور ويحتمي ببعض مواده ويتجاهل العدد الأكبر منها، لأنه يريد ديمقراطية خاصة به وعلى مقاسه، يحاسب فيها المخطئ الذي يريد، ويتغاضى عن أبناء عمومته مهما كانت تجاوزاتهم، يرفع فيها السقف على الجميع لتُلبى مطالبه، ويخلط ما للشعب مع ما للقبيلة مع ما للكويت وما للنائب نفسه، لأن الكل يتغنى بحب الوطن والغيرة على مصلحة البلاد، بينما لاتزال حالنا من سيئ إلى أسوأ، ومن أزمة إلى أخرى، وفيما نحن نتابع ما يجري بقلق، لا نملك إلا الطلب من جميع الأطراف أن يرفقوا بنا قليلا، وبوطننا أكثر.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء