العاصمة الجديدة لجمهورية كازخستان نموذج آخر من الإبهار والتحدي والإرادة في دول العالم الثالث، فقد قررت الحكومة السياسية نقل العاصمة من مدينة المآتا إلى آستانا فقط في عام 1997 التي تقع في قلب أكبر تاسع دولة في العالم، ولم تكن سوى صحراء قاحلة شاسعة المساحة.

Ad

ولم تمض عشر سنوات على بدء الانتقال إلى العاصمة الجديدة حتى باشرت الحكومة بالفعل مهامها الإدارية بالكامل في هذه المدينة التي تحولت إلى قطعة فنية غاية في الجمال والروعة تزينها المباني المعمارية الحديثة والعملاقة، ومحاطة بواحة خضراء شاسعة حلت محل تلك الصحراء المقفرة!

ولم تقتصر أبنية العاصمة آستانا على مقار الوزارات والإدارات الحكومية فحسب، بل شملت كل ما قد يتخيله المرء من مقومات للثقافة والفنون والعلوم والتاريخ، فلا تكاد تفكر في أي من الاهتمامات البشرية الفكرية والعلمية إلا رأيتها مجسدة على شكل مبنى من الطراز الهندسي البديع سواء في مجال الفنون الجميلة أو مراكز المؤتمرات الدولية والمعارض والمدن الترفيهية أو الحي الدبلوماسي أو الحرم الجامعي أو مجمعات التسوق أو المدينة الرياضية التي سوف تستضيف دورة الألعاب الآسيوية القادمة.

وهذه التحفة المعمارية ليست سوى المرحلة الأولى من بين ثلاث مراحل أساسية من مشروع العاصمة الجديدة، والذي سوف ينتهي بالكامل عام 2030، لتكون إحدى أكبر وأجمل عواصم الدنيا، وبالتأكيد فإن جمهورية كازخستان تستحق مثل هذا اللقب لأنها تترجم ما تقول وتتحدى به على أرض الواقع، بل حققت سمعة عالمية برئاستها لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وسوف تترأس منظمة المؤتمر الإسلامي في العام القادم.

ولكن ما يستوقفنا، وبشعور يبعث على الأسف والمرارة، هو عندما نقارن أنفسنا في مجال التنمية مع هذه الدولة الناشئة التي لم تبلغ العشرين سنة من الاستقلال بعد، ففي كازخستان تتقدم المشاريع المنجزة على الجدول الزمني المحدد لها سلفا بمقدار نصف الوقت تقريباً، فما يتم الإعلان عنه بأن سوف يستغرق سنتين مثلاً يمكن الانتهاء منه في غضون سنة واحدة فقط وبلا أوامر تغييرية، وعلى هذا المنوال فقد يستكمل بناء العاصمة قبل عام 2030 بكثير، خصوصا أن معظم المشاريع القادمة هي عبارة عن مجمعات ووحدات سكنية للمواطنين والمقيمين، وهذا ما يحيرنا في الكويت حول الأسباب الحقيقية لتأخر مشاريع التنمية أو حتى إلغائها!

فمنذ سنوات ونحن نملأ الدنيا صياحاً بأننا سوف نبني مدينة جامعية ومستشفى جديدا واستادا رياضيا، ولحد الآن لم نر أي جامعة ولا مستشفى، نعم رأينا استادا رياضيا، ولكن نخاف من افتتاحه لأسباب تتعلق بسلامة المنشأة برمتها! فكيف الحال بمدينة الحرير والمناطق الإسكانية العشر الجديدة، والمستشفيات الثماني، دع عنك مترو الأنفاق وخطوط سكة الحديد؟!

ويبدو أن هناك زيارة مرتقبة لصاحب السمو الأمير إلى آستانا قريباً، وبهذه المناسبة نتقدم بنصيحتين: الأولى قيام وزارة الإعلام أو حتى القنوات الفضائية الخاصة بإعداد برنامج وثائقي ومصور عن العاصمة الكازاخستانية، حيث يتعرف الشعب الكويتي على هذه التجربة الجديدة والمميزة، والثانية أن يكون بمعية سمو الأمير كل من وزير الخارجية ووزير التنمية ووزير المالية، حيث يمكن لوزير التنمية أن يتعرف على رموز التنمية الحقيقية هناك ويستفيد منها في الداخل، وحتى يقتنع وزير الخارجية بضرورة افتتاح سفارة لدولة الكويت في الحي الدبلوماسي الراقي، حيث سبقتنا دول مجلس التعاون في ذلك، وحتى يتعرف وزير المالية على مجالات الاستثمار في كازخستان الغنية ليست بالنفط والغاز الطبيعي، بل تمتلك أكبر الاحتياطيات العالمية في جميع أنواع المعادن الطبيعية والثمينة، وكذلك في الزراعة، حيث إن كازخستان تعتبر ثاني أكبر بلد في العالم في إنتاج القمح، وهي بحاجة ماسة إلى إقامة مصانع عملاقة من شأنها أن تغذي نصف الكرة الأرضية بالخبز ومشتقاته، ولنتعلم التنمية من كازخستان هذه المرة!!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة