الحادث المأساوي الذي وقع في الجهراء قبل أيام وتسبب في مقتل خمسة مراهقين وإصابة خمسة عشر آخرين كانوا يتفرجون على استعراض للسيارات في شارع عام وفي وقت متأخر من الليل، هذا الحادث رغم نتائجه المأساوية لم يفاجئني كثيراً، وهو أمر توقعت حدوثه منذ زمن ولاأزال أتوقع تكراره في ظل ثقافة الإهمال والاستهتار السائدة في مجتمعنا هذه الأيام، التي تتنامى بمرور الوقت دون أن يحد منها أحد، فلا البيت قادر ولا القانون ولا الدولة، فكلهم عاجزون عن ذلك لافتقادهم الرغبة الصادقة، ولعدم إدراكهم خطورة الوضع القائم وضرره على الجميع صغيرهم وكبيرهم!

Ad

الذين وضعوا كل اللوم على وزارة الداخلية وحدها بحجة عدم وجود دورياتها لا يدركون ألا أحد من هؤلاء المراهقين المستعرضين والمتفرجين يخشى هذه الدوريات، وأن الدورية وقائدها يتحولان إلى نكتة في معظم الأحيان، حيث يقوم المستعرضون الأماجد بالالتفاف حولها لتقديم فاصل من الاستعراض المستهتر وسط ضحكات الجميع، ومن شاهد عدداً من مقاطع البلوتوث لتدخل الأمن في هذه التجمعات يدرك ما أعنيه، حين يقبع رجل الأمن في دوريته بلا حول ولا قوة منتظراً فرج الله بأن يخشاه القوم، وهو جالس أمام مقود دوريته بلا حراك، أو أن يصل إليه إسناد يرفع من هيبته المفقودة أمام جمع من المستهترين لا يخشى في الاستهتار لومة لائم!

وعجبت مما طالب به والد أحد ضحايا الحادث بضرورة أن يتحرك مجلس الأمة لمحاسبة المقصرين وتعويض أهالي الضحايا مادياً ومعنوياً، ماديا فهمناها وعرفناها لأنها أصبحت عادة، لكن ما المقصود بـ "معنوياً"؟ هل يقصد اعتبارهم شهداء؟! من الواضح أن هذا الأب يتهرب من مسؤوليته المباشرة عن الحادث ليلقيها على غيره، أين كان هذا الأب الحريص على حياة أبنائه وقت الحادث، الذي حسب ما علمنا كان في وقت متأخر من الليل؟! لماذا أهمل في متابعة أبنائه ومعرفة من يصاحبون؟ وأين يسهرون؟ ولماذا لم يحرص على وجودهم في المنزل قبل أن يضع رأسه على المخدة لينام نوماً عميقاً؟ هل كان يتوقع أن الأمور دائماً على خير ما يرام بعد منتصف الليل؟!

أما الحكومة اللاهية بصراعاتها السياسية مع أعضاء مجلس الأمة، فآخر اهتماماتها الشباب واستغلال طاقاتهم فيما ينفع، واستثمارها فيما يفيد وطنهم ومجتمعهم، حكومة عجيبة ليس لها نظير في هذه الأرض، ضباط الداخلية فيها أكثر من أفرادها، تمنح الامتيازات والمكافآت للرتب الكبيرة وتتناسى الرتب الصغيرة، حتى ابتعد الجميع عن الالتحاق بهذه الوظيفة التي لا تستحق أن يخاطر المرء بحياته من أجلها، تمشي في شوارع الكويت بالساعات لا ترى دورية مرور واحدة تشعرك بوجود مَن يطبق القانون وأنك في أمان تام، ولذلك سادت ثقافة الاستهتار في الطرق، وتحولت قيادة السيارة في الكويت إلى حرب لا تبقي ولا تذر، وربك وحده العالم متى سيصلك الدور لتسقط ضحية هذه الحرب المستعرة؟!

إضافة أخيرة ربما تكون مرتبطة بهذا الموضوع نبهني إليها أحد الأصدقاء حين قال لا تلم الشباب وأهاليهم على السهر خارج المنزل حتى ساعة متأخرة من الليل، لأن الحكومة ومنذ سنوات علمت الناس السهر حين سمحت للجمعيات والمطاعم والمقاهي ومراكز الترفيه بالعمل حتى الصباح، مما ساهم في وجود الأبناء خارج المنزل لساعات متأخرة لوجود الأعذار "البريئة" دائما كالقول إنهم ذاهبون إلى الجمعية التعاونية أو المطعم أو النادي الصحي، وهو أمر- أقصد السهر حتى الصباح- لا تجده سوى في المدن السياحية الصاخبة، ومن غير المعقول أن يحدث في الكويت!

ليرحم الله الذين قضوا نحبهم، وليعجّل بشفاء المصابين منهم، ولندعُه سبحانه وتعالى ألا يتكرر مثل هذا الحادث مرة أخرى، وأن نكون قد تعلمنا منه درساً نافعاً... وإن كنت في شك من ذلك كبير!