أقرت الحكومة والمجلس معاً خطة تنمية ذات أهداف طموحة جداً وواسعة، وفلسفة الخصخصة قد تكون واضحة في تلك الخطة، لكن يجب ألا يكون ذلك مبرراً للقفز على المعاني السامية للخصخصة والانقضاض على المرافق الحيوية للدولة بحجة التخصيص.

Ad

الخصخصة هي منظومة اقتصادية- اجتماعية- سياسية متكاملة لا يكفي لنجاحها التشريع فقط، ولكن يجب أن توازيها ثقافة مجتمعية توفر لها مقومات هذا النجاح، وتجارب الخصخصة في العالم الديمقراطي التي انطلقت مع منتصف السبعينيات من القرن الماضي انطلقت من القاعدة إلى القمة، بمعنى كانت الأحزاب السياسية الكبرى المتنافسة على الانتخابات العامة تطرح مشاريعها بشأن الخصخصة وبناءً على ذلك كانت الشعوب تباركها عبر الصناديق الاقتراع لتكون شريكاَ أساسياً في قبول التحدي وتحمل النتائج.

وعلى النقيض من ذلك بينت معظم التجارب التي كانت تفرض فيها الخصخصة من القمة إلى القاع فشلاً ذريعاً ليس فقط على مستوى سقوط التجربة بحد ذاتها، بل ما تبع ذلك من حراك شعبي واسع لإسقاط تلك الحكومات وفتح ملفات الفساد، خصوصاً المالية فيها، واكتشاف مدى ارتباطها بشبكات الرشوة والتنفيع للمسؤولين وتدمير المرافق التي تمت خصخصتها لتبدأ مسيرة الإصلاح والترميم على حساب تلك الشعوب المغلوب على أمرها! ولعل أحدث التجارب الفاشلة تحكيها التطورات السياسية في تايلاند وقرغيزستان!

والتجربة الكويتية في مجال الخصخصة يجب أن تكون في منتهى الحذر لأسباب عدة، بعضها يتعلق بالجانب الموضوعي والآخر بالجانب الثقافي والمجتمعي، فالحكومة والمجلس معاً أقرا خطة تنمية ذات أهداف طموحة جداً وواسعة، وفلسفة الخصخصة قد تكون واضحة في تلك الخطة، ولكن يجب ألا يكون ذلك مبرراً للقفز على المعاني السامية للخصخصة والانقضاض على المرافق الحيوية للدولة بحجة التخصيص.

فما نراه اليوم هو سيل اللعاب على القطاعات المنتجة والناجحة فقط، ويبدو أن المرافق التي يسعى البعض إلى السيطرة عليها مبكراً تنحصر في القطاع النفطي ومرفقي التعليم والصحة، وأن قانون الخصخصة الذي طالما كان من الخطوط الحمراء باعتباره إيذاناً لبيع البلد برمته قد كشر عن أنيابه مجدداً، ولنتصور أنه مع إقرار هذا القانون تمت عمليات الخصخصة للعديد من قطاعات الدولة وفي مقدمتها المستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء وقطاع المواصلات والمرافق النفطية دون وجود ضمانات وظيفية للكويتيين، سواء المستمرون في العمل في هذه القطاعات أو من الشباب الجدد المنتظرين لدورهم في الوظيفة دون خبرة سابقة.

ثم لنقارن المزايا الوظيفية وواجبات العمل ونظم التقييم في هذه المرافق الخاصة وساعات العمل فيها مع رواتب وإنتاجية من يعلمون وفق نظام البطالة المقنعة في إدارات الشؤون والبلدية وغيرها من الوزارات الخدمية، ويتمتعون بكوادر خاصة وضمان وظيفي!

ولنأخذ بعين الاعتبار تجربة التسريح بالجملة من البنوك والشركات الخاصة لمئات الكويتيين ممن لايزال الكثير منهم في مأزق مالي واجتماعي بعد سنوات من طردهم من وظائفهم، فما الضمانات بعدم تكرار هذه المأساة مع الآلاف من المواطنين في ظل الخصخصة الشاملة؟

وأخيراً، هل تتمتع مؤسساتنا الحكومية بالحد الأدنى من الشفافية ومظلة النزاهة المالية والمصداقية التاريخية التي يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان لها للإشراف على مشروع الخصخصة العملاق الذي سيضع البلد والمجتمع الكويتي أمام حياة جديدة ومختلفة تماماً؟ فما نراه اليوم من مآس في منح الترسيات المالية الصغيرة التي لا تجاوز حفنة من الدنانير ناهيك عن المناقصات والعقود المليونية التي تضرب بأصول العدالة ومعايير المواصفات الفنية عرض الحائط، وما ينبعث منها من روائح الفساد المالي، وغياب ضمانات المنافسة ونظام الضريبة وكسر الاحتكار وحماية المستهلك، يفرض علينا التفكير ملياً في إطلاق حصان الخصخصة البري والرهان عليه لكسب السباق!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة