اضطرت السلطات اللبنانية الى التدخل لتوضيح حقيقة التحقيقات التي يخضع لها أحد التقنيين العاملين في شركة ألفا للاتصالات، وهي إحدى شركتي الهاتف الخلوي في لبنان، بعدما اشتبه في تجسسه لمصلحة إسرائيل، خصوصا أن المعلومات الصحافية التي نشرت عن مضمون التحقيق، لاسيما لناحية التلاعب بجداول الاتصالات بين الخطوط الهاتفية الخلوية التي تحفظها قاعدة المعلومات، كادت تتسبب في أكثر من مشكلة داخلية ودولية للبنان.

Ad

وفي وقت استفاد بعض السياسيين ووسائل الإعلام مما نشر لإطلاق بوادر حملة تشكيك جديدة في مرتكزات التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، الذي يتولاه المدعي العام الدولي دانيال بلمار، على اعتبار أن المعلومات المتوافرة تشير الى أن التحقيق الدولي يرتكز في جانب أساسي ومحوري منه على متابعة حركة الاتصالات بين عدد من الخطوط، والتموضع الجغرافي للمتصلين ساعة وقوع الجريمة في 14 فبراير 2005، اضطر وزير الدفاع الياس المر، بصفته سلطة الوصاية السياسية على الجيش اللبناني الذي تتولى مديرية المخابرات فيه التحقيق مع التقني الموقوف، الى المسارعة الى نفي ما يتم تداوله بشأن مضمون التحقيق، مؤكدا أنه "فوجئ" بكل ما رآه وسمعه عبر الاعلام، وقال: "كل ما كتب وما صدر في الاذاعات والتلفزيونات والصحف تحليلات وتكهنات"، مشيرا الى ان التحقيق سينتهي بعد أسبوع، "وعندها يصبح في متناول الجميع، بمن فيهم محامي الدفاع عن الموقوف". وبحسب مصادر واسعة الاطلاع في بيروت، فإن مسارعة المر الى هذا التوضيح جاءت على خلفية احتواء ردات فعل سياسية وقانونية داخلية ودولية كادت تتسبب فيها "التسريبات" أو "الاجتهادات" التي نشرتها بعض وسائل الإعلام، وتبناها بعض الفرقاء السياسيين المشككين في مسار التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

فعلى الصعيد الداخلي، بدأت قوى 14 آذار إطلاق سلسلة من المواقف التي تشكك في ما نشر، والتي تطالب المعنيين بتحمل مسؤولياتهم حياله في ضوء احتمالين:

- الأول هو أن ما نشر صحيح، وبالتالي فإن هناك جهات معنية بالتحقيق تتولى تسريب ما تتوصل اليه تباعا خلافا للقانون الذي يضمن سرية التحقيق. وهو ما يخفي أهدافا سياسيا أبعد من مهمة المحققين في ملاحقة تقنية للشبهات التي على أساسها أوقف المتهم.

- الثاني أن ما نشر غير صحيح، وبالتالي فإن من حق اللبنانيين معرفة الحقيقة من مصدرها المتمثل في الجهات العسكرية والأمنية والقضائية المعنية، ومنع ممارسة حملات التشويه والتضليل التي يمارسها بعض وسائل الإعلام والسياسيين.

وقد بدأ بعض النواب والقادة السياسيين توجيه أصابع الاتهام علنا من خلال التصريحات والبيانات والمؤتمرات الصحافية (الأمانة العامة لقوى 14 آذار، رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، النائب عقاب صقر عضو كتلة نواب "لبنان أولا" برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري وغيرهم) الى جهات داخل المؤسسة العسكرية، مما ينعكس سلبا على صورة الجيش اللبناني ومصداقيته ومهنيته في حفظ الأمن والاستقرار.

أما على الصعيد الدولي فلفتت جهات حقوقية وقضائية انتباه السلطات اللبنانية المعنية الى أنه في حال صحت المعلومات عن تلاعب الموقوف بجداول الاتصالات الخلوية، على خلفية التضليل في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، فإن هذا يستدعي من السلطات اللبنانية المسارعة الى رفع يدها عن المسألة، وتسليم الموقوف الى المدعي العام الدولي دانيال بلمار بالاستناد الى الاتفاقات والتعهدات التي قطعتها الدولة اللبنانية على نفسها أمام المجتمع الدولي، برفع يدها عن كل ما هو على علاقة بالجريمة وغيرها من الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة الدولية، وبتسليم كل الموقوفين والمستندات والوثائق والإثباتات والبراهين والتحقيقات الى المدعي العام الدولي. وبالتالي فإن المضي قدما في الاحتفاظ بالتقني المشتبه فيه موقوفا، يعني تجاوز الجهات التي أوقفته لصلاحياتها، وخرقها للمعاهدات والاتفاقات التي وقعتها الدولة اللبنانية من خلال مؤسساتها المختلفة مع مكتب المدعي العام الدولي والمحكمة الدولية.