ما تقوله المعاجم هو أن «السعي» إلى شيء يعني أن تريده فتقصده وتتجه إليه، لا أن توليه الأدبار وتذهب في الاتجاه المعاكس بعيداً عنه كما هي حال حكومتنا في «سعيها» المزعوم إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي!

Ad

أقول هذا لأنه كلما اضطررت لمراجعة واحدة من وزارات الخدمات لسبب من الأسباب، ولفحني في وجهي عند بابها هواء البيروقراطية الساخن، تذكرت حديث حكومتنا الرشيدة عن سعيها إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي، وعن فتحها الأبواب للمستثمرين، وبذلها كل التسهيلات في سبيل ذلك، وبالأخص عندما تتحدث والجدية البلهاء مرسومة على وجه مسؤوليها عن تلك المشروعات ذات الأسماء الرومانسية كمدن الحرير واللؤلؤ والألماس وغيرها من مدن الأحلام!

حجم البيروقراطية الموجود في وزارات التجارة والشؤون والبلدية، لا يمكن أن يتخيله العقل حتى لو أنفقت كل سطور هذا المقال وخمسة معه في وصفها، والأنكى من ذلك والأشد أنها آخذة في التزايد والتشابك يوماً بعد يوم، وفقاً لقرارات أغلبها ارتجالي وبلا أساسات موضوعية!

وفي كل مرة أذهب فيها مرغماً لإنجاز معاملة في واحدة من هذه الوزارات، حيث إن التوكيل الرسمي المعتمد الصادر عن وزارة العدل لأحد الموظفين عندي لا يعتد به ولا ينفع في أغلب الجهات الرسمية ويا للعجب، أفاجأ بطلبات واشتراطات وتعقيدات جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، فصرت أشفق على نفسي وأضحك في كل مرة من هذه المرات، فشر البلية ما يضحك، وأنا أشرع منذ الصباح الباكر في قراءة أدعية فك البلاء، وتفريج الهم، ودفع الضر، وكأني مقبل على ملاقاة عدو أو أصبحت وقد أصابتني مصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!

سأحاول أن أفهم إصرار هذه الجهات على تقديم كل هذه الأوراق والوثائق عند إنجاز ولو أصغر المعاملات، وذلك من باب ردع المتلاعبين وغير الجادين، ولكن ألا يدركون أنهم بهذه التعقيدات قد أضروا بالجميع في نفس الوقت، الطالح والصالح، وأضروا بالكويت قبل هؤلاء جميعا؟!

واضح أن الحديث الحكومي المتكرر عن تحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي، ما هو إلا كلام فارغ وأضغاث أحلام، لا علاقة له على الإطلاق بما يجري على الأرض يومياً في وزارات هذه الحكومة ومؤسساتها، فالمسؤولون في هذه الجهات لا يترددون ثانية عن اشتراط شهادات ووثائق وأوراق جديدة في كل يوم، دون تكليف الخاطر بالتمهل والتفكير في أن هذه الاشتراطات الجديدة بحد ذاتها لا يمكن استخراجها من جهاتها إلا بإحضار عشرات الشهادات الأخرى من مختلف الجهات، حتى صار الموضوع شبكة معقدة من البيروقراطية البيزنطية، وصار استخراج رخصة تجارية لمحل صغير مثلاً، وهو الأمر الذي لا يستغرق إلا ساعة أو دونها في إحدى الدول الخليجية القريبة، يستغرق في الكويت شهوراً طويلة وعشرات الأطنان من الأوراق والتوقيعات والطوابع والأختام ولا فخر!

لا أدري والله إن كان يرتجى من هذا الكلام أي جدوى لتغيير أي شيء، ولكنني واثق على الأقل بأنه لو صرف وزراء التجارة والشؤون والبلدية ومسؤولوها وبإخلاص بعضاً من جهدهم لإزالة هذه التعقيدات والبيروقراطية المريضة التي تعج بها وزاراتهم، لقدموا خدمة حقيقية لهذا الوطن وأهله، ولساهموا فعلاً في دفع الكويت نحو تحقيق ذلك الحلم لأن تصبح مركزاً مالياً عالمياً.