لمواجهة مخاطر المستقبل، لماذا لا نتحرك من الآن بأن نفرض نظاما ضريبيا تدريجياً ومرحلياً؟... على أن يبدأ هذا النظام بسقف مَن يزيد دخلهم السنوي على 25 ألف دينار لمدة خمس سنوات، وأن ينخفض كل خمس سنوات إلى أن تعمم الضرائب على الجميع بشرائح تتناسب مع دخولهم.

Ad

رغم أن تقرير رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، الذي كلفته الحكومة الكويتية إعداده عن أحوال الدولة ومستقبلها والحلول المقترحة لمشاكلها، لم يحمل جديداً، إذ إن العديد من السياسيين والأكاديميين والخبراء الكويتيين قد شخصوها منذ سنوات، وأطلقوا التحذيرات لمعالجتها عبر عملية إصلاحية كبرى اقتصادية وسياسية وإدارية خلال السنوات الماضية، فإن أخطر ما خلصت إليه "دراسة بلير" هو تنبؤها بجفاف الخزينة العامة وإفلاس الدولة في غضون 20 عاماً، أي بحلول عام 2030.

هذا التنبؤ اللافت والخطير يأتي من مؤسسة وشخصية لها وزنها السياسي والأكاديمي، ولا تتداخل معها أي أهداف أخرى يمكن التشكيك فيها كمؤسسات التصنيف المالي التي ربما يكون لها دوافع وتشابك مع مصالح تجارية، والتي ثبت فشلها الذريع في الأزمة الاقتصادية في الخريف الماضي، عندما استمرت في منح تصنيفات غير واقعية لشركات ودول انهارت مالياً على أثر الأزمة.

ما يقوله بلير أو تقريره عن المستقبل المالي للدولة لو تحقق بسبب تقاعسنا عن منع حدوثه، فسيكون هو الكارثة بعينها للشعب الكويتي الذي سيلامس تعداده بعد عشرين عاماً المليونين نسمة. ومن خلال التجارب والمعالجات الحكومية المقترحة السابقة، فإن أنظار الأجهزة الحكومية جميعها والقوى الاقتصادية المؤثرة عليها ستتجه إلى بنود الصرف على الرواتب العامة والمعاشات التقاعدية لعلاجها وترشيدها، وهو أمر مستحق، ولكنه ليس هو الحل، بل الحل هو في مساهمة الجميع وتقديم القدوة عن طريق المشاركة في تحمل العبء المالي العام وتحقيق التكافل الاجتماعي والعدالة اللذين ينص عليهما الدستور وجميع الشرائع السماوية.

وفي هذا المجال لا يوجد في النظام الاقتصادي الحديث وسيلة لتحقيق ذلك أفضل من نظام الضريبة العامة التي سنصل إليها لا محالة مع زيادة عدد السكان وتكاليف الخدمات المقدمة إليهم، وما يحيط بمستقبل النفط كمصدر طاقة وحيد في العالم. وفي ضوء ذلك، لماذا لا نتحرك من الآن بأن نفرض نظاما ضريبيا تدريجياً ومرحلياً؟... على أن يبدأ هذا النظام بسقف مَن يزيد دخلهم السنوي على 25 ألف دينار لمدة خمس سنوات، وأن ينخفض بعدها ذلك السقف كل خمس سنوات إلى أن تعمم الضرائب على الجميع بشرائح تتناسب مع دخولهم.

ولماذا لا نبدأ من الآن بفرض ضريبة المبيعات على السلع والكماليات الفخمة والسيارات الفارهة ومطاعم الفنادق من فئة الخمس نجوم وأنشطة تجارية مختلفة ذات طابع ترفيهي كمالي؟... وبالطبع ينبغي أن يرافق ذلك عملية مدروسة لإعادة هيكلة شاملة لاقتصادنا، وتنويع مصادر دخلنا بالسبل المتاحة كافة، عبر إعداد بيئة البلد وأبنائه لهذا التحدي الكبير الذي سنواجهه في المستقبل القريب.

فما يدور في ذهن البعض اليوم حول الحلول وتلافي وقوع الأسوأ، لن يجرؤ عضو مجلس أمة أو مسؤول حكومي على طرحه ربما لكونه مقترحاً غير شعبي قد يضر مصالحهما أو يتعارض معها، وسيصبح خلال سنوات أمراً مستحقاً وبشكل دراماتيكي سريع، كما أنه سيشكل صدمة ومعاناة للجيل المقبل ولأبناء الجيل الحالي... وهنا نتساءل: لماذا لا نبدأ بالتعامل الحصيف والمتدرج من الآن عبر المبادرة بتقديم جرعات الوقاية، قبل أن تحل علينا الأزمة فتقعدنا، لا قدر الله، حينئذ عن الحراك؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء