نحن: لا نأكل الغبقة


نشر في 13-09-2009
آخر تحديث 13-09-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي قال الخواجة اللبناني معلقاً على كلامي وقد ارتفع حاجباه حتى كادا يطيران من مكانيهما ويتركان جبهته جرداء لا زرع فيها ولا ماء: «معقولة! كويتي وليس لديه ما يكفيه إلى آخر الشهر؟». قلت وأنا أفرج عن دخان سيجارتي دفعة واحدة: «ليس ذلك فحسب يا مولانا غابرييل، هل تعلم أن عدداً كبيراً من الكويتيين ممنوعون من السفر لعدم قدرتهم على سداد مبالغ أقل من ثلاثة آلاف دولار؟ وأن عدداً أكبر يتزاحم أمام اللجان الخيرية بسبب العلاج في المستشفيات الخاصة، هرباً من الموت الزؤام، ووو»، وقبل أن يرتد إليه فكّه الأسفل عاجلته بضربة أخرى: «لا ألومك، خصوصاً أن قدمك لم تطأ أرض الكويت، فهذه هي الفكرة السائدة عند العالمين، طيب ما رأيك أن شيخ الساخرين محمود السعدني – شفاه الله – عاش في الكويت سنين عدداً، ثم نجده يقول في أحد كتبه إنه تذوّق المنسف في الأردن والمسقوف في العراق و(الغبقة) في الكويت! علماً أن الغبقة ليست وجبة محددة، بل هي (موعد الوجبة)، وهي لا تكون إلا في رمضان، وترجمتها بالعربي الفصيح – أو بالعربي المَحْط، على رأي الساخر الراحل محمد مستجاب – هي (العشاء الرمضاني). لكن السعدني الذي اعتاد الغوص في قيعان المجتمعات، لم يغص في قاع المجتمع الكويتي، فالتبسَ الأمر عليه، وهو مثلك ومثل كل العرب يظنّ أن كل كويتي سيموت كما مات هارون الرشيد، في الخامسة والأربعين من عمره بسبب التخمة والزحار».

«يا عمي عندكون حقول بترول أكبر من المحيطين الهادي والأطلسي، وين عم تصرفوا فلوسكون؟»، قال غابرييل وقد ساوره الشك في صدق معلوماتي. قلت وأنا أعبث بشنبي: «تنتشر أموال نفطنا في الاتجاهات الخمسة، باستثناء اتجاه مصالح الناس والبنية التحتية، جزء من ثرواتنا يتجه إلى قرغيزستان وطاجيكستان وكل ذي ستان، وجزء منها تبخر في المناقصات والمزايدات الأحياء منها والأموات، وجزء هرولَ إلى قنوات فضائية وصحف وكتّاب كلهم ارتدوا ثياب الراقصات المشخلعة العارية، ووضعوا أيديهم على خصورهم وهات يا ردح ضد خصوم الحكومة، والمصيبة أن الملامة بعد كل هذا تقع على الناس البسطاء».

وأكملتُ: «هل تتذكر يا صاحبي حاكم أوغندا الأسبق عيدي أمين، الذي لا يمر يوم دون أن تكتب الصحافة العالمية عن آخر (إبداعاته)، والذي أعلن اسلامه، وعندما بلغه أن الإسلام يحرّم الزواج من أكثر من أربع نساء ويأمر بالختان، تراجع وارتد، ثم أخذها من قصيرها وأعلن ألوهيته، فاستراح وأراح. نحن لدينا حكومة الخالق الناطق عيدي أمين، إلا أنها مسلمة ولا تأكل لحوم خصومها بالمعنى الحرفي للأكل، وكان أن أبرق عيدي أمين إلى ملكة بريطانيا (جلالة الملكة استعدي، سأزور بريطانيا، وخاطبي حكومتكم لتوفّر لي كشفاً بأسماء محلات الأحذية، فتجار بلدي، عليهم لعنات السماء ولعناتي، لا يبيعون الأحذية)، متناسياً أن أوغندا في عهده تخلو من الأسواق، وحكومتنا الكويتية تسافر إلى شرق آسيا فتبهرها البنية التحتية هناك، فتعتب علينا نحن الشعب، وتحمّلنا الملامة».

وحكومتنا، يا غابرييل، مثلك ومثل السعدني ومثل بقية العرب، تعتقد أننا نأكل الغبقة، ولا تعرف أن الغبقة ليست وجبة تؤكل... صدقني يا صاحبي، لو كان في الأرض عدل لتمّ الحجر على حكومتنا، ولأودعت أموالنا في هيئة شؤون القصر إلى أن نبلغ سن الرشد. 

back to top