مشهد التصفيق المدوي، لاسيما تصفيق الرجال المعممين، للرئيس أوباما أثناء خطابه الذي وجهه للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة هو مشهد يكاد لا يصدق... فمن كان يتوقع يوماً هذا الترحيب والتهليل والإشادة برئيس أميركي من قبل أكثر الناس كراهية وعدائية لأميركا. وعلى الرغم من تفاوت ردود الفعل على الخطاب بين مستحسن ومستهجن ومشكك، فإن الكثير من الدعاة (حتى بعض المتشددين منهم) أشادوا بخطابه غير المسبوق... كالداعية الاسلامي عائض القرني الذي اهتمت الأوساط الدعوية بردة فعله حيث وصف خطابه بأنه إيجابي "بل أعظم ما سمعته من حاكم واستشهد بمفردات من القرآن". كما شدد على أنه "يجب أن نمد أيدينا لمن يمد يده لنا، فهو قال السلام عليكم ونحن نرد السلام".... وهذا هو مكمن خوف التيارات الأصولية من خطاب أوباما المنفتح... فهو أشد خطراً وتهديداً من خطاب بوش المتطرف الذي كانت تتغذى منه القوى الأصولية المتطرفة... لذا أتى خطاب أسامة بن لادن قبيل خطاب أوباما محاولة منه لإفشال ما يمكن إفشاله... ولكن أوباما تعلم كثيراً من دروس سلفه، فهو يدرك أن "رجال الإطفاء لا يكافحون النار بالنار".

Ad

فهناك فرق كبير بين خطاب أسامة بن لادن الماضوي (الذي يلقى تأييداً ودعماً في العالمين العربي والاسلامي) وخطاب باراك أوباما الليبرالي الذي يحرِّض المستقبل ويستدعيه... فرق كبير بين الخطاب العدائي الاستعلائي المتوتر والخطاب التصالحي المتواضع الشجاع، بين الخطاب التكفيري الدموي المحرِّض على الانعزال والعنف وسفك الدماء وثقافة الموت والخطاب الداعي للشراكة والسلام والتعايش والمصالحة والذي يعتمد على القوة الذكية اللينة الناعمة بالرغم من إمكاناته العسكرية واللوجستية... فرق بين ما قاله الظواهري ساخراً بأوباما "لتعلموا أن كلاب أفغانستان عرفت مدى لذة لحم جنودكم، لذا أرسلوا الآلاف بعد الآلاف إليهم».. وما قاله أوباما في حديثه للعالم الإسلامي 'جئت سعياً إلى بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في العالم ترتكز على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل وعلى حقيقة أن أميركا والإسلام لا يقصي أحدهما الآخر ولا يحتاجان إلى التنافس'... فرق كبير بين من يستقوي بسيوف النحر والأحزمة الناسفة والمتفجرات ومَن يمد يده للعالم العربي والإسلامي ويلقي عليهم تحية السلام "بالسلام عليكم".

فرق كبير بين الخطاب الأصولي المنغلق الذي يكرر ما قاله الأموات والخطاب الليبرالي المنفتح الذي يدعو إلى التغيير والتجديد والتحرر من سجن الماضي... بين الصوت الأصولي العالي الغوغائي الذي ينشر الرعب والخوف والصوت الليبرالي العقلاني والضمير الإنساني... فرق بين مَن يشوه الدين ويسيء إليه ويدمره ومَن يؤمن برسالة التسامح الخالدة التي تحمي الأديان وتجعلها أكثر ازدهاراً... وشتان بين مَن يُكفِّر ويستبيح الدماء ويخرج الناس من الملة ويحرض على العنف والاكراه والاجبار ويحارب الآخر المختلف ومَن يستنهض همم الإسلام التنويري العقلاني الذي يؤمن في "حقِّ المسلمين في التمسّـك بدِينهم وهوِياتِـهم وخصوصياتِـهم، طالما أنها عن قناعة وإيمان، ولكن دون إنكار إيمان الآخرين المُـختلف".

فرق كبير بين مَن ينشر ثقافة التعصب والكراهية للحداثة والحضارة والعقل والمرأة وغير المسلم ومَن يؤمن بمبادِئ العدالة والتقدم والتسامح وحقوق الأقليات وكرامة كل إنسان... فرق بين ثقافة القطيع والاتباع والانقياد ورشد العقل واحترام الحريات وتشجيع الابتكار والإبداع وحق الاختيار والاقتناع الذاتي والمسؤولية الأخلاقية في المشاركة في بناء المجتمعات وصنع الحضارات... فرق بين "الحالة الأوبامية" التي تجعل الدنيا من حولك أكثر ألواناً وإشراقاً، و"الحالة الأسامية" التي تجعلك لا ترى سوى اللون الأحمر... فرق كبير بين الظلام والنور.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء