لم أكن قد التقيت بالإعلامي عمرو أديب شخصياً من قبل ولا حتى شاهدته على التلفاز لكونه يقدم برنامجه الشهير «القاهرة اليوم» على قناة لا تظهر عندي، واقتصرت معرفتي به على مقاطع فيديو شاهدتها له على «اليوتيوب»، لعل من أبرزها تلك المقاطع التي شاعت بعد مباراة المنتخبين المصري والجزائري وفاز فيها الجزائريون، مما أدى إلى توتر شديد كاد أن يصل إلى حد القطيعة بين الدولتين «الشقيقتين».

Ad

لكنني شاهدته على الطبيعة منذ أسبوعين في منتدى الإعلام العربي في دبي، بداية في أروقة المنتدى، وانتهاء في الجلسة الختامية للمؤتمر، حيث شارك كمتحدث فيها.

في تلك الجلسة التي كانت تدور حول مشكلة المقاطعة المستمرة من قبل مقدمي البرامج الحوارية لضيوفهم، استنادا إلى دراسة بحثية أجراها الأخ والصديق محمد النغيمش الذي كان مشاركاً في الجلسة أيضا، قامت إحدى الإعلاميات الجزائريات، وباللهجة الجزائرية المعروفة التي تحتاج منا إلى بعض الجهد لفهمها، بمداخلة وجهت من خلالها لوماً واستنكاراً لعمرو أديب على دوره «السلبي» عبر ما قاله في برنامجه «الشهير» بعد تلك المباراة، مما ساهم وبشكل أساسي في تفجير الموقف وإشعال تلك الفتنة بين الدولتين التي لاتزال بقاياها عالقة حتى اللحظة.

فكانت المفاجأة أن عمرو أديب وبعدما انتهت السيدة من مداخلتها، قام بالرد عليها وبكل تعال وغطرسة: «أنا ما فهمت أي حاجة! أنا عاوز عربي! اتكلمي عربي»! وصمت وانصرف عنها، ثم كان الأغرب من ذلك في أن جمهورا كبيرا، اندفع للتصفيق وبحرارة لكلمته هذه، ليعم التوتر أجواء الجلسة التي كادت أن تخرج عن مسارها، بعدما كثر الهرج والمرج من قبل الإعلاميين الجزائريين استنكارا لما حصل، لولا سيطرة مديرها عليها!

في تلك اللحظة، وللوهلة الأولى، فاجأني هذا الموقف المتغطرس الخالي من كل لباقة اجتماعية، بل الخالي تماماً من كل مهنية إعلامية، لكنني وبعدما سمعت التصفيق الحار الذي ضجت به القاعة من فريق من الحاضرين، انقطعت حيرتي وتضاءل استغرابي كثيراً، فقد علمت السر.

لم يكن عمرو أديب ليرد بتلك الطريقة الفجة على تلك السيدة، وهو من هو، لولا علمه ويقينه التام بأن هناك قطاعا عريضا من الجمهور سيطرب لأسلوبه، وسيقف في صفه، بل سيقول له «حسنا فعلت»، ولو كان ظن، ولو لواحد في المئة، بأنه سيقابل بالاستهجان والتوبيخ من قبل الجمهور، وربما برشقات البيض والطماطم كما يجري في أوروبا وأميركا عندما يقدم شخص ما على مثل هذا التصرف الرديء، لما كان سيتجرأ في ظني.

إذن موقف عمرو أديب لم يأت من فراغ، ولم يكن غلطة لحظة وسوء تقدير في موقف شاذ، بل هو شيء حصل مع سبق الإصرار والترصد، وبجاهزية نفسية مسبقة من قبل عمرو أديب، ولو تكرر الموقف لكرر عمرو أديب ما قال.

واضح أن مثل هذه التصرفات والمواقف الخالية من الأدب والذوق، هي التي صارت اليوم تصنع جمهوراً، بل لعلها هي التي تصنع الجمهور الأعرض، والدليل على ذلك هو العشرات والعشرات من الإعلاميين الذين صاروا يسيرون على درب هذا الطاووس المتغطرس، سواء في الفضائيات أو في الصحافة، فقد باتوا واثقين بأن جمهورا يتابعهم ويصفق لهم وسيقول للواحد منهم: ما أروعك، ولا حاجة لكم للتجوال بالنظر والبحث شرقا وغربا، فنظرة عجلى إلى صحفنا وفضائياتنا ستأتيكم بالبراهين والأدلة، وصدق من قال: «كل ساقط وله لاقط»!