قبل أيام هاتفني شخص بريطاني عرف نفسه على أنه باحث في مجال العلوم السياسية، حيث حصل على درجة البكالوريوس من إحدى الجامعات البريطانية العريقة، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة أسترالية في العلاقات الدولية. خلال المكالمة ذكر لي الباحث البريطاني أنه يقوم ببحث عن الشيعة في الكويت، وأن أحد الأصدقاء أعطاه رقم تلفوني للحصول مني على بعض المعلومات حول الموضوع، وبين أنه يريد مقابلتي لأجل ذلك.

Ad

رحبت بإجراء المقابلة واتفقنا على الموعد، وفي الموعد المحدد التقيت بالباحث البريطاني، فوجدته شاباً في الثلاثينيات من العمر، وهو يتكلم العربية بطلاقة أفضل بكثير من أغلبية الناطقين بالعربية، فسألته أين تعلم العربية فقال إنه تعلمها في الأردن في أحد المراكز الثقافية.

أثار فضولي اهتمام الباحث البريطاني بالشيعة في الكويت، خصوصا أن بحثه ليس إعداداً لبحث أكاديمي كما ذكر لي، فسألته عمن يقوم بتمويل بحثه، فلم يتردد في القول إن السفارة البريطانية في الكويت هي من تمول البحث، وبعد ذلك بدأ الباحث البريطاني بطرح أسئلته، فكان أول أسئلته عن حقيقة ارتباط الشيعة في الكويت بالخارج، وبشكل خاص بإيران والمرجعيات الدينية وبـ"حزب الله" في لبنان.

أجبته بأن هذا السؤال كثيراً ما يطرح إما تلميحاً وإما تصريحاً من البعض في الكويت وفي خارجها، وهو يشمل الأقليات الشيعية في البلدان العربية كافة، وسبب هذا التساؤل (الاتهام) يعود إلى عدم فهم لمبادئ المذهب الشيعي، فوفقاً للفقه الشيعي يجب على كل شخص متدين أن يعود في أموره الفقهية إلى أعلم العلماء الشيعة أياً تكن جنسية هذا العالم أو موطنه، ولكن لكون الشيعة يتركزون عادة بالقرب من مراقد أئمة الشيعة فإن الحوزات العلمية تركزت تقليدياً في النجف وكربلاء وسامراء في العراق، وفي قم ومشهد في إيران، وبالتالي فإن الشيعة في كل العالم ملزمون بالرجوع إلى هؤلاء العلماء للإجابة عن أسئلتهم الدينية ولإيصال الحقوق الشرعية للمرجع الديني، إما بشكل مباشر أو عن طريق وكلائهم المنتشرين في العالم.

قلت للباحث البريطاني إن سوء الفهم لعلاقة الشخص الشيعي بالمرجع الديني هي التي تجعل الشيعة دائماً عرضة للاتهام بالارتباط بالأجنبي، وهنا لابد من التفريق بين ولاء الشيعة لأوطانهم التي يعيشون فيها، وعلاقتهم الروحية والدينية مع المرجعيات الدينية في العراق وإيران أو في غيرهما، فأخذ العلم الديني– وفقا للفكر الشيعي- لا يرتبط بمكان إقامة الشخص، إنما بمكان من يحمل هذا العلم، وبهذا يتبين سذاجة من يصر على أن يكون المرجع الديني كويتياً.

أسئلة الباحث البريطاني لم تقتصر على موضوع ولاء الشيعة، ولم تكن جميعها ذات طابعي بحثي، فقد خيل لي أن بعضها ذو طابع "استخباراتي" من قبيل السؤال عن وكلاء المراجع في الكويت، وعن علاقة حسن جوهر بإيران، وعن كيفية صرف أموال الخُمس، وعن تأثير وفاة السيد "فضل الله"، وعن المناهج الدراسية الدينية في الكويت، وعن علاقة الشيعة بالسلطة في الكويت.

 إذا كان البريطانيون مهتمين بفهم تركيبة الفكر الشيعي وحقيقة علاقتهم المزعومة بالخارج، فمن باب أولى أن يهتم باحثونا بهذا الموضوع، وأن يقدموا نتيجة هذه البحوث لأصحاب الشأن حتى يفهموا حقيقة ولاء الشيعة، وحتى لا تطل هذه القضية برأسها بين فينة وأخرى.