ما أطول ليل البدون
لماذا أصبح لدينا مشكلة اسمها البدون؟ ما هي مبرراتها؟ وما هي حقيقتها؟ ولماذا هي مستمرة؟ خلال نحو خمس وعشرين سنة مضت، ظل هذا السؤال يقلقني ويؤرقني. فقبل 25 عاماً كانت قضية البدون أقل وطأة، بل زاد حجمَها تشجيعُ الحكومة على انضمام أشخاص لديهم جنسيات أخرى إلى فئة البدون، وتم استخدام تلك الفئة كحصان طروادة لإعاقة أي حل، وعبر السنوات دخل البدون الجيش والوظائف الحكومية والمهن الخاصة، حتى إن الدولة ابتعثت منهم طلاباً على نفقتها للدراسة خارج الكويت، وأرسلت الأجهزة الأمنية العسكريين من البدون إلى دورات لا تعد ولا تحصى إلى أنحاء العالم. وفجأة ودون مقدمات انقلبت الآية، وأصبح البدون مغضوباً عليهم، وتم التضييق عليهم بكل الوسائل، وظهرت الحجج الركيكة والهزيلة لتبرر عملية الاستئصال تلك. حاولت أن أفهم السبب، فبحثت وغصت في الوثائق واللقاءات مع المسؤولين وغير المسؤولين، فلم أجد إلا عقلية متحجرة، لا أفق لها، تظن أنها تخدم الأمن الوطني بينما هي تضره، وبالتأكيد لا تضع أي اعتبار للمعايير الإنسانية. أنجزت في سبيل التعرف على حيثيات الموضوع ثلاث دراسات، نشرت منها اثنتين، وأكملت الثالثة منذ سنتين، وقد تجد طريقها إلى النشر قريباً.
خلال هذه الايام والليالي الطويلة، كنت أرى المعاناة الإنسانية للبدون، التي لا يمكن لأي إنسان حر في قلبه ذرة إنسانية أن يقبلها، إلا أن الأكتاف التي تهتز دون اكتراث، ببرود ، كانت ترى غير ذلك. بل وتبدو مستعدة لاستمرار القسوة، والتفريط بأمن البلاد، بحجة حمايته، بينما هم كالمستجير من الرمضاء بالنار. حل مشكلة البدون دون إبطاء مطلوب لدواعٍ إنسانية، وأمنية ، واقتصادية، وعملية، ووطنية. فكل من راهن على الزمن من خلال التشدد والتضييق، والاستئصال، إنما راهن على حصان خاسر بالضرورة.اقول قولي هذا بعد ان قرأت تصريحاً في صحيفة الراي لمسؤول ما، فضل عدم ذكر اسمه، يؤكد أن الحكومة قدمت حلاً نهائياً لمشكلة البدون، ويتابع التصريح بالنص: «إن الحل يرتكز في فحواه على إحصاء 1965 بحيث تمنح الجنسية لحاملي الإحصاء ومنتسبي وزارتي الداخلية والدفاع، بالإضافة إلى أبناء الكويتيات، في حين تمنح بطاقة لمن لا يحملون الإحصاء مع إعطائهم حقوقهم الاجتماعية والإنسانية كافة... وإن شهر أكتوبر سيحمل أخباراً سارة لأبناء هذه الفئة... وإن ذلك سيعلن في وسائل الإعلام... وإن كل صاحب حق سيحصل عليه، وسيتم إنصافه بعيداً عن التدخلات النيابية التي تعمد في الغالب إلى التكسب الانتخابي».لا أدري إن كان ذلك المسؤول أو المصدر لا فرق، يعي ما يقوله، أم أنه يريد أن يطلق نكتة سمجة في هذا الصيف الخاثر، وقد أعجبتني حقاً عبارة «كل صاحب حق سيحصل عليه بعيداً عن....». ربما يقصد بعيداً عن الكويت. على أية حال، تصريحات من هذا النوع، تشطح بالخيال، سمعنا الكثير منها، خلال العقدين الماضيين. ولكن على أية حال، هل قال أكتوبر؟ هو أكتوبر إذاً، ولننتظر أكتوبر ونرَ، ونسأل الله أن نكون مخطئين. فليل الصيف طويل، وليل البدون أطول. يوم لن يتكرريوم الجمعة المقبل هو السابع من أغسطس 2009 يوم لن يتكرر في التاريخ، من حيث المعجزات الرقمية، ففي الساعة الثانية عشرة والدقيقة 34 والثانية 56 سيكون فيها التوقيت الرقمي بالكامل 123456789، وهو ما لن يتكرر مرة أخرى في التاريخ. معجزة رقمية أخرى ليس لها تفسير أو ربما لها تفسير لا أعلم عنه شيئاً، والشكر لمن يستطيع التفسير.