كما هو معتاد، فإن كثيرا من رافضي النائب «محمد هايف» وتوجهاته، وبالأخص رافضي الفتوى الأخيرة عن موضوع حجاب المرأة، لوحوا بسلسلة المفردات الشهيرة بأنه رجعي، ومتخلف، وظلامي، وطالباني، وقاصر النظرة، و«ما عنده سالفة»، وغيرها، وأكاد أجزم ألا مشكلة عند محمد هايف في هذا، بل أراه يحتسبه عند الله.

Ad

لهذا وجهت نصيحتي في المقال السابق لرافضي الفتوى الأخيرة بالكف عن هذا الضجيج والزعيق الذي لا طائل من ورائه، والعمل بشكل موضوعي مدروس إن هم أرادوا التصدي لمحمد هايف، وأتصور أن قيام النائبة د.رولا دشتي بالأمس بتقديم اقتراح بقانون لتعديل المادة الأولى من قانون الانتخاب بحيث تحذف عبارة الأحكام الشرعية من القانون، هي خطوة موضوعية في هذا الاتجاه.

في المقابل، ولو كنت مكان النائب محمد هايف، وفريقه، لاتخذت قراراً بتقليص التصريحات الصحفية حول الموضوع، ولقاومت إغراء الاستدراجات الصحفية «لشعللتها»، وبالتالي خلق حالة من الاستنفار المجتمعي حول القضية، ولطلبت من كل النواب المؤيدين لهذا المسلك، من الإسلاميين- الصريحين وغير الصريحين- الكف عن تصريحاتهم، لأن بعضها ساذج بل أرعن، وسيضر أكثر مما ينفع!

من الضروري أن يدرك النائب محمد هايف، وفريقه، أن فتوى وزارة الأوقاف بذاتها غير ملزمة لأحد، ومجرد الحصول عليها ليس سوى الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، ولا تعني بالضرورة أنهم ربحوا سائر المعركة، لأن الفتوى يجب أن تعرض على المحكمة الدستورية في أثناء سعيهم إلى تفسير قانون الانتخاب الذي نص على الالتزام بالقواعد والأحكام الشرعية، فإن أقرتها المحكمة والتزمت بها، حينها وحينها فقط، ستكتسب صفة الإلزام.

وعليه فقيام بعض النواب والكتاب الإسلاميين بتوجيه الدعوات «المغلظة» للوزيرة والنائبات غير المحجبات بالالتزام بفتوى الأوقاف يدل إما على جهل بحقيقة الصورة وإما على تقصد الاستفزاز السياسي وهو أمر لا يصح، فغير المحجبات لم يمتنعن- غالبا- عن الحجاب لجهلهن بأن الإسلام يأمر بذلك، وكن بانتظار فتوى تكشف لهن الحقيقة، إنما لأنهن يرين أنهن يمارسن حريتهن الشخصية في بلد ديمقراطي يقوم على دستور وضعي، وليس في دولة دينية، والذي هو أمر صحيح بالمناسبة، مهما كان محزنا أو مزعجا للتيار الديني. فالكويت دولة مدنية تقوم على دستور وضعي، نقطة على السطر!

ثغرة دفرسوار «الدينية» الوحيدة الموجودة في دستورنا الوضعي، هي المادة الثانية منه، والتي قالت إن دين الدولة الإسلام والشريعة مصدر رئيسي للتشريع، وألزمت المشرع بالأخذ من الشريعة ما وسعه ذلك كما جاء في المذكرة التفسيرية.

في الماضي، قضى الإسلاميون ردحا من الزمن في الملحمة الشهيرة لتغيير هذه المادة لجعل الشريعة «المصدر الرئيسي» للتشريع، ظناً منهم أن هذا سيجعل من الكويت دولة الإسلام الفاضلة، وهو ظن خاطئ بطبيعة الحال، وكان الأجدر بهم، ولاتزال الفرصة سانحة لذلك طبعا، أن يحشدوا قانونييهم الأكفاء، وأن يتحركوا بشكل منظم مدروس وبهدوء وصبر على صعيد الدفع باتجاه تفسير المقصود بما جاء في المذكرة التفسيرية من إلزام المشرع بالأخذ من الشريعة ما «وسعه» ذلك، وتحديد حجم هذا «الوسع» المذكور ومعاييره وضوابطه، ومتى يكون الأخذ من الشريعة لازما ومتى لا يكون، وحينها وعندما يصلون إلى هناك، سيكون كل الباقي تحصيلا لحاصل، وستكون الحكومة مطالبة وبشكل تلقائي، مثلا، بإلزام الممارسات لحقوقهن السياسية من وزيرات ونائبات «وناخبات» بالتزام الحجاب الشرعي أثناء ذلك، دون زجر أو وعيد أو تهديد وإنما بحكم القانون الذي وضعه المشرع، الذي سيلتزم بالأخذ من الشريعة لأنه يسعه ذلك.

من الجانب الآخر، يحاول البعض أن يضرب بدستورية قانون الانتخاب من باب تناقضه مع المادة 30 من الدستور والتي تقول إن «الحرية الشخصية مكفولة»، والرد على هؤلاء بسيط جدا وهو أن هذا الأمر لا يكون على إطلاقه، فليس من حق شخص ما، على سبيل المثال، أن يدخل إلى أي من الدوائر الحكومية أو أن يتمشى في الأسواق مرتديا الشورت فقط بذريعة المادة الثلاثين من الدستور رغم أنه يستطيع أن يفعلها على شاطئ البحر مثلا، بل الأمر مرتبط بالقوانين التي تضبط وتحدد، وقبل ذلك بمواد الدستور نفسه التي يجب أن يوافق بعضها بعضا، وبالتالي فإن المادة 30 من الدستور يجب ألا تتصادم مع المادة الثانية منه والتي ألزمت المشرع عندما يضع القوانين بأن يأخذ من الشريعة ما وسعه ذلك، والتي منها قانون الانتخاب الذي ألزم المرأة بالقواعد والأحكام الشرعية.

حسنا، أين أنا من هذا؟ هل أحاول الوقوف بالمنتصف لأرضي الطرفين؟ لا، ليس الأمر كذلك، وإن كنت في طرف وجوب الحجاب طبعا كقناعة دينية أعتنقها، لكنه لا يغيب عن بالي أننا في دولة مؤسسات، تسير وفق دستور وضعي وقانون، ولسنا في دولة يحكمها رجال الدين، وبالتالي يجب أن تتجه كل الأمور وبأقل القليل من «الإزعاج» في مساراتها القانونية الصحيحة، وأن نقبل جميعا، في نهاية المطاف، بمستحقات هذه الديمقراطية التي قبلنا أن نمارسها وأن نتعايش تحت ظلها.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء