في مباراة الهوكي على الجليد، التي جرت بين الفريق الكندي للنساء ونظيره السلوفاكي، سحق فيها الأول منافسه بثمانية عشر هدفا مقابل لاشيء للفريق المنافس. ولو أن المسألة بقيت في إطار لعبة من ألعاب الأولمبياد الشتوية، التي تستضيفها فانكوفر هذه الأيام، وانحصرت في أنها منافسة بين فريقين أحدهما قوي والآخر ضعيف لما انتبهنا إلى الحادثة، ولكن الضجة التي أعقبت المباراة المذكورة تستحق أن نتوقف عندها.

Ad

التهمة التي وجهت إلى الفريق النسوي الكندي أنه تجاوز العرف الرياضي، وأمعن في "إذلال" غريمه السلوفاكي. ورد المدافعون عن الفريق بأن هذه التهمة ما كان لها أن توجه الى الفريق لولا جنسه الاجتماعي. فكونه فريقا من النسوة فهو، على غرار فرق الرجال، مطالب ببذل جهد مضاعف. فبالإضافة الى تحقيق الفوز على فريق منافس عليه أن يتنبه إلى كرامة ذلك الفريق، ويكتفي بما يحقق له الفوز. واستمر الجدل  بين الفريقين ليتحول من الشأن الرياضي الى الجندر والوطنية. وهو نقاش يمكن أن نفهم منه أسباب تحول الجدل الرياضي الى جدل سياسي أو فلسفي.

المحصلة التي نخرج بها من جدل الرياضيين وتداخل غير الرياضيين معهم تستحق التوقف عندها، أولا لأن اللعبة لم تعد مباراة بين فريقين وإنما أصبحت تشكل قيمة معنوية للوطن الذي يمثله هذا الفريق أو ذاك. والجمهور الذي يرفع أعلام وطنه ليس دائما ممارسا للرياضة التي يشجعها، ولكنه يشجع ما يمثله هذا الفريق الذي ينوب عن الجمهور في الدفاع عن كبرياء الوطن، وحين يلعب الرجل في مواجهة الرجل يبدو الأمر مختلفاً عندما تلعب النساء في مواجهة النساء. ذلك ما أثار حفيظة النسوة وأنصار الحركة النسائية، حين كانت ردة فعل الجمهور الرياضي مختلفة عما اعتادوا عليه حين يفوز الرجل، ففي الوقت الذي تنادي فيه الجماهير فريق الرجال بسحق الفريق المنافس لتحويل الانتصار الرياضي الى انتصار قومي أو اثني أو عرقي، يطالب ذات الجمهور الفريق النسوي بعدم المبالغة في الفوز.

أجد أن هذا المطلب الذي يطالب به المراقبون مطلب يبدو أخلاقيا لا غبار عليه. ولكني أجده أيضا مطلبا ناقصا فهو موجه فقط إلى الفريق النسوي، لم نسمع من الجماهير أو المتابعين في السابق من يطالب باللعب للفوز الأخلاقي حين تكون المباراة رجالية. السبب الرئيسي لذلك هو ارتباط الفوز الرجولي بالانتصار العسكري الذي يمثله الرجل. حتى وإن كان ذلك الانتصار وهميا وبعيد المنال على أرض الواقع أو مغايرا للأحداث التاريخية بين البلدين. ورغم تغير حالة الصراع العسكري اليوم ودخول المرأة في عواصف المعارك فإن الصورة النمطية للفوز بقيت مرتبطة بالرجل. وبقيت الجماهير ترى إذلال الرجل لغريمه مقبولا ومدعاة للفخر، أما إذلال المرأة للمرأة فهو أمر ليس له ما يبرره.  

ورغم أن الحركة النسوية التي نتحدث عنها هنا قوية ومؤثرة وتحظى بدعم الرجل، فإن الحالة ما كان لها أن تختلف لو أن المباراة بين فريقين عربيين. فالصراع الرياضي يمثله الرجل وحيدا لا منافس له، حتى وإن قالت العرب عن شجعانها إن لهم قلوباً كقلوب النساء.