منذ سنوات، عندما شاهدت فيلمي «أرماجدون» و»الارتطام العنيف»، وتابعت بانبهار تلك «الفناتق» الهوليودية التي صورت نيزكاً ضخماً يهدد بالارتطام بالأرض وكيف تصرف «الأميركان» حيال ذلك، كان لسان حالي «الكويتي» يقول تماماً كما قال سعد الفرج في مسرحية حامي الديار «ودي أصدق... بس قوية قوية»، لكن الظاهر أن الحكاية ليست قوية جداً كما ظننت، وربما كما ظن حامي الديار في مسرحيته!

Ad

تبدأ حكاية هذا المقال منذ فترة ليست بالقصيرة، حيث تابعت خبراً تكرر ظهوره على استحياء في الصفحات الأخيرة لجرائدنا، بجانب تلك الأخبار الدائمة عن التيوس الحلوبة، وأمهات التوائم الملتصقة، والزوجات اللواتي يخلِّصن على أزواجهن بالسواطير وسكاكين المطبخ، وغير ذلك من الأخبار «الطريفة الظريفة» التي تنشرها الصحف في هذه الصفحات، لإمتاع القارئ المكروب من محتويات بقية صفحاتها!

لكنني مؤمن بأن هذا الخبر، سيترك الصفحات الأخيرة، وإن كان ليس قريباً جداً، تاركاً التيوس الحلوبة وقاتلات الأزواج وراءه، وسينتقل في القادم من الأيام، ليبدأ في مزاحمة الأخبار على الصفحة الأولى!

يدور الخبر حول نيزك ضخم جداً يزن 20 مليون طن من الحديد، يتبع مساراً قريباً جداً من الأرض. تكمن خطورة خبر هذا النيزك الذي تم اكتشافه منذ سنوات بسيطة بواسطة عالمين من جامعة هاواي، قاما بتسميته «أبوفيس»، وهو اسم لآلهة مصرية قديمة، دائمة الصراع مع إله الشمس «رع»، وتهدد بابتلاعه وإغراق الكون في الظلام، في أن جميع وكالات أبحاث الفضاء حول العالم، تتوقع أن يصدم هذا النيزك بالأرض بحلول عام 2036، وأنه إذا ما حصل هذا فإن سرعته عند الاصطدام ستبلغ 12 كلم/الثانية وستكون الطاقة المنبعثة منه مقاربة لمليون ونصف طن من متفجرات الـTNT، بقوة تفجيرية تفوق بمئة ألف مرة قوة تفجير القنبلة النووية التي دمرت هيروشيما، أما إذا ما اصطدم بالماء، فإنه سيوّلد موجة تسونامي مرعبة ستؤدي إلى دمار على قطر مئات الكيلومترات وملايين القتلى، عدا عن آثار غباره النيزكي، الذي سيسبب شتاءً طويلاً قد يدوم لمدة 3 سنوات نتيجة الانفجار الضخم!

أدرك تماما بأن الأمر أشبه بالخيال العلمي، وبأفلام هوليود و»فناتقها»، وقد كنت أظن ذلك، حتى صرت أتابع المقالات حول هذا الأمر وهي تأخذ مساحتها المعتبرة في المجلات العلمية المتخصصة، وأرصد كيف بدأت التحركات الحقيقية والجادة حول الموضوع، ومن ذلك أن الجهات المرتبطة بالشأن ستكون مطالبة في عام 2010 بالنظر في مقترح وكالة أبحاث الفضاء الروسية، لإطلاق مهمة غير مأهولة لإعادة توجيه مسار «أبوفيس» بعيداً عن الأرض!

مرة أخرى سأكرر بأن الأمر ليس فيلماً هوليودياً من أفلام الخيال العلمي، بل هو أمر جاد وحقيقي جداً، وستكون له فاتورة بمليارات الدولارات لتغطية نفقات ما سيتم الاتفاق عليه بين المختصين، سواء إطلاق المهمة غير المأهولة أو محاولة تفجير النيزك بصواريخ نووية، كما اقترح بعضهم فعلاً، أو غير ذلك من خيارات قد تبدو لكم غير قابلة للتصديق، إلا أن من الواجب هنا، تجاوز هذه الحالة من عدم التصديق وربما السخرية من الفكرة، وطرح السؤال عن دورنا المفترض، نحن العرب والمسلمين، من هذا الذي يجري؟! هل يا ترى سنكتفي بدفع سهمنا المالي الذي سيقرر كأغلب أحوالنا مع كل الاتفاقيات الدولية التي أوجبت علينا الدفع بصمت؟ أم أننا سنشارك في صناعة القرار؟ وهل نحن مؤهلون أصلاً للمشاركة في صناعة قرار كهذا، أم أنه أكبر بكثير من مساحات استيعابنا وبعيد كل البعد عن دوائر اهتماماتنا وانشغالاتنا؟!

أسئلة كثيرة لن ينتظرنا أحد لنجيب على هوانا، لأن الإجابات ستنتزع منا عنوة في القادم من الأيام بلا أدنى شك، مهما سخرنا الآن واعتبرنا الأمر ضرباً من خيالات الغرب وجنونه!