كثيرة ومتفاوتة هي التعليقات التي وردتني حول المقالين اللذين نشرتهما الأسبوع الفائت عن قضية خالد الفضالة، سواء من خلال الإيميل أو الهاتف أو «المسجات» أو حتى شفاهة، وهذا أمر طبيعي، لكن ما استوقفني من جملتها، هي تلك التعليقات التي أبدت «استغرابها» من قيام «الجريدة» وهي التي يمتلكها ويديرها «جماعة» التحالف الوطني، على حد تعبير هذه التعليقات، بنشر رأيي غير المتوافق مع رأيهم تجاه هذه القضية، خصوصا أن الفضالة هو ابن التحالف الوطني، وأمينه العام، وأستطيع أن أخمن فأقول: ونائبه البرلماني القادم، وقد توقفت عند هذه التعليقات بالذات لكونها تدور حول سؤال أواجهه دائما عن هامش الحرية الممنوح للكاتب من قبل جريدته، وعن مدى قبول «الجريدة» أن يقوم كتّابها بطرح آراء لا تتوافق ومعتقداتها.

Ad

بالنسبة لي، فقد تنقلت في الكتابة عبر عشر سنوات خلال ثلاث صحف: «الوطن»، و»الراي»، وأخيرا «الجريدة»، وكان هاجسي دوما أن تعبر مقالاتي عما أؤمن به أنا شخصيا، بغض النظر عن مدى توافقه أو تعارضه مع رؤية الجريدة التي كنت أكتب فيها، وهذا الهاجس كان مرتبطا إلى حد ما، بحركة تنقلي ما بين هذه الصحف. ولكن وإحقاقا للحق، فلم يسبق أن حاولت إدارة تحرير أي جريدة من هذه الثلاث أن تملي عليّ، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، أن أكتب في موضوع ما، وهذا ليس إقرارا بأن الصحف، سواء هذه أو غيرها، لا تقوم بذلك، فلأغلب، إن لم يكن لكل، الصحف أسلحتها التي تضرب بها من تريد وتوجهها إلى حيث تريد، ولكن هذا لم يحصل معي لسبب بسيط وهو أني لم أكن يوما تابعا أو أسيرا لجريدة لأي سبب من الأسباب.

وبالإضافة إلى هذا، فقد كنت كذلك حريصا دوما حتى على عدم إيقاع نفسي في دائرة التأثر اللاشعوري بوجهة نظر أصحاب الجريدة، ولعل هذا سيكشف للزملاء الأعزاء في إدارة تحرير «الجريدة» عن واحد من أهم الأسباب التي جعلتني مقلا إلى حد كبير في زيارة مقر «الجريدة» رغم الدعوات الكريمة المتكررة منهم، نأيا بنفسي عن مثل هذا التأثر الذي ذكرت.

ولا شك أن لكل جريدة سقوفها وحدودها في ما يمكن أن يخوض فيه كتابها، وهذه السقوف والحدود ترسمها وتحددها بالضرورة مصالح الجريدة السياسية والفكرية، وطبعا مصالحها المالية. هذه القاعدة يفهمها كل كاتب محترف، لكن المشكلة تقع، حين يجهل أو يتجاهل الكاتب هذه القاعدة فيحاول التمرد عليها، أو حين تكون السقوف والحدود غير واضحة أصلا ولا متفقا عليها منذ البدء، أو أن تكون متحركة متموجة بلا ضابط واضح.

بالنسبة لي، فالسقوف والحدود المتاحة في جريدة «الجريدة» تم استيضاحها منذ اليوم الأول الذي جرى فيه الاتفاق بيني وبين أصحابها للانضمام إلى فريق الكتّاب، لذلك فأنا أدرك تماما ما يصح الكتابة عنه وما لا يصح، وقد صارت لي بوصلتي الداخلية وأسلوبي الخاص التي تقودني للمرور والعبور إلى ما أريد طرحه والحديث عنه، وللتوضيح فلم يكن من هذه السقوف والحدود أبدا ألا أكتب ما يتعارض وتوجهات «التحالف الديمقراطي» مثلا. لذلك، فمنذ أن كتبت هنا لم يمنع لي مقال، وكل مقالاتي التي أرسلتها تم نشرها، بما فيها تلك المقالات التي تعارضت مع قناعات أصحاب الجريدة، ومرات عديدة قد حصل ذلك، ومنها ما تناقشت وإياهم حوله، وأبدوا اختلافهم معه، ومع ذلك جرى نشره.

ما أقوله هنا ليس تملقا لأصحاب «الجريدة» ولا حتى إشادة بهم، لأنهم يدركون تمام الإدراك أن معايير المهنية تحتم عليهم ذلك، إن هم أرادوا أن يقدموا صحيفة موضوعية تنافس صحف الصف الأول القليلة في الساحة، وتحوز على احترام القارئ القيم. جريدة «الجريدة»، وبالرغم من توجه ملاكها وإدارتها المعروف والصريح، فليست على الإطلاق صحيفة حزبية ظهرت لتتكلم من صفحتها الأولى وحتى صفحتها الأخيرة بلسان توجه أصحابها السياسي، ولذلك وجد فيها ساجد العبدلي، المختلف عن هذا التوجه، المساحة التي أقنعته بالبقاء والاستمرار.

هذا ما أراه وما أفهمه عن طبيعة علاقتي بهذه الجريدة، ولذلك سأستمر على ما أنا عليه من خلال هذه الزاوية، وسترون مني بطبيعة الحال الكثير مما سيختلف عن توجهاتها.