«سياستي الأولوية هي حماية العلمانية... إن مبدأ العلمانية هو مبدأ دستوري».

Ad

قائل هذه العبارة هو عبدالله غول حين أعلن ترشُّحه لرئاسة الجمهورية... ولطالما أكد الرئيس التركي عبدالله غول ورئيس وزرائه رجب طيب أردوغان في كل فرصة سانحة، أنهما وحزبهما «الإسلامي» حُماة الدستور العلماني الذي أتى بهم إلى السلطة... وهو ما يجعلهم يختلفون شكلاً ومضموناً ويتباينون فكراً ومنهجاً عن باقي أحزاب الإسلام السياسي في عالمنا العربي... ولكن لايزال أصوليّونا يتفاخرون بأوهام «هزيمة العلمانية» في تركيا وانتصار الإسلام السياسي متمثلاً في حزب «التنمية والعدالة» الذي سيعيد «أمجاد» الخلافة العثمانية... أصوليّونا يتحمسون لنجاح التجربة الديمقراطية التركية، ويرفضون الاعتراف بعلمانيتها الدستورية التي كان لها الفضل في إرساء قيم أكثر تقدماً وحداثةً... ويتباهون بتجربة حزب التنمية والعدالة «الإسلامي» في التطوير والتحديث، ويتناسون أنه حزب علماني يعتمد على منهجية غير تقليدية ويستمد قوته من قاعدة علمانية ليبرالية يتمتع فيها الشعب بحرية الاختيار والاعتقاد.. تلك المبادئ التي يحاربها المنغلقون الأحاديون أصحاب الفكر التقليدي الحرفي الجامد.

كثُرت التحليلات والتفسيرات بعد حادثة «قافلة الحرية» عن تحول تركيا إلى الشرق وابتعادها عن الغرب، ودورها الجديد في الشرق الأوسط كقوة إقليمية رئيسية في خضم العجز والفشل العربيين، مستمدةً قوتها من انفتاحها وموقعها المتميز «كبوابة الشرق إلى الغرب»، لاسيما بعد أن أُغلِقت في وجهها أبواب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي... وبعيداً عن تحليلات السياسة الدولية، هلَّل أصوليّونا لأردوغان وطبَّلوا لموقفه البطولي من «قافلة الحرية»، مُبشِّرين بعودة «الخلفاء العثمانيين»... نعم عاد العثمانيون ولكن بحلة جديدة لا علاقة لها بثوب السلطان المُستبد في الماضي الغابر... وهو ما عبَّر عنه رئيس حزب «العدالة والتنمية» أردوغان نفسه، بأن «العثمانية الجديدة» هي حركة تحظى بالقبول الواسع في العالمَين الغربي والشرقي، كنموذج معتدل يقف على قدَميه في أرض علمانية ليبرالية كباقي الشعوب التي ازدهرت بسببهما.. وكما يقول الأستاذ إبراهيم البليهي، المفكر الإسلامي السعودي: «بالليبرالية سيُعزّ المسلمون... فتجارب الأمم الأخرى تؤكد أنه لا يمكن أن يتحقق أيُّ ازدهار حقيقي، ولا تنمية مستدامة إلا في مناخ ليبرالي مفتوح، تُستثمَر فيه كل الطاقات، وتُكتشَف فيه المخالفات، وتُصحَّح فيه الأخطاء... فبمقدار الانفتاح الليبرالي يكون الازدهار، وبمقدار الانغلاق يكون التخلف، إن الشواهد التي تؤكد أن المناخ الليبرالي هو الشرط المحوري الأساسي للازدهار تمتد في طول الأرض وعرضها، وتتجسَّد في غرب العالم وشرقه، ولا تختلف المجتمعات الإسلامية عن بقية المجتمعات الإنسانية».

نستنتج هنا أن الازدهار «النسبي» لتركيا جاء بسبب تطبيقها «النسبي» للعلمانية الليبرالية الديمقراطية، التي لا تتجزأ كمفاهيم حداثية... فالعلمانية وحدها قد تأتي بطغاة ومستبدين على شاكلة صدام حسين وبعض حكام العرب، كما أن تطبيق الديمقراطية دون ليبرالية قد يأتي باستبداد الأغلبية كما هي الحال في الكويت... أما بالنسبة إلى ديمقراطية تركيا فتشوبها بعض الشوائب كاضطهاد الأقلية الكردية.

ورغم بعض الجوانب غير الناضجة في التجربة التركية... فها نحن نشهد بعض مؤشرات نهوض المسلمين الأتراك اقتصادياً وإقليمياً من خلال العلمانية الليبرالية... وهو ما يدحض ما يقوله إسلاميّونا عن محاربة العلمانية الليبرالية للدين.

* * *

الحرية لسجين الرأي الزميل محمد عبدالقادر الجاسم.