آمال رف الحمام مغرّب يا دادا

نشر في 27-12-2009
آخر تحديث 27-12-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي سقى الله دار سميرة توفيق بالمطر. كم من شهيد سقط على مذبحها، وإن كان شهداؤها لا يزالون أحياء بيننا، تتأرجح أعمارهم ما بين الستين والثمانين.

هي امرأة عظيمة الجسم كجبل إفريقي متفرّد، عيناها قارة مترامية الأطراف تتوه فيها القوافل، فمها فوهة بركان، ابتسامتها إعلان حرب، شعرها قطيع من الأفراس الأصايل الجامحة، صوتها يدفعك إلى الصفوف الأمامية... هي ملعونةُ خيّر بكل المقاييس، أو بالمقاييس كلها، كي لا يعتب عليّ عشّاق اللغة.

إذا ظهرت سميرة على الشاشة خيّم الصمت على الديوانية، وإذا وضعت يديها على وسطها ووقفت كما يقف عنترة بن شداد العبسي أمام قبيلة غطفان فغرت الأفواه وعرقت الجباه، وإذا تلفتت كما كان يتلفت موسوليني بعدما احتل شرق أوروبا ازدادت ضربات القلوب، وإذا تمايلت كالأغصان أمام الريح تمايلت معها قلوب رجال يتشبثون بالوقار ما أمكنهم، وإذا غطّت فمها بوشاحها وتقدمت عيناها الجموع وصرخت: "هل من مبارز؟" وضعَ الرجال أيديهم على جباههم وتساقطت دموعهم، وإذا غمزت بعينها حفرَ عشاقها الخنادق أمام بيوتهم وودعوا أطفالهم.

قاتلها الله، من الذي سمح لها أن تفعل برجالنا – وقتذاك – ما فعلت، وأن تغني لهم: "أسمر يا كحيل العين، يا بو عيون العسلية"، ليتسابقوا على المرايا فيسقط بعضهم صرعى التزاحم، ومَن سمح لها بأن تهاجم قريناتها وتقول لحبيبها: "وش لك بالعشب المرعِي، وش لك باللي يريدونه"، وهذه جريمة سب وقذف يعاقب عليها القانون، ومن سمح لها بأن تغوي عشيقها وتحرضه على نفسها: "عينك ع الزهر النادي، فتّح ع الميّ جفونه". قمة الغرور، قمة الغطرسة، قمة العنجهية، وقمة العدل أيضاً، فللمتميزين مساحة من الغرور والخيلاء يحق لهم وحدهم السير فيها.

وكل متميز له الحق في الغرور. يعني النائب دليهي الهاجري، مثلاً، يحق له الغرور لتميّزه وتفرّده، فعندما هرول الجميع شرقاً عضّ هو أسفل ثوبه واتجه غرباً. ودولة الرئيس جاسم الخرافي متميز أيضاً، فرغم ثرائه الفاحش، لم يستخدم أمواله ليشتري لنفسه مكانة بين الناس، فهو لا يريد أن يحترم الناس أمواله، بل أن يحترموه هو لذاته ولشخصيته، تماماً كما يفعلون مع الزعيم أحمد السعدون.

الرئيس الخرافي متميز لقربه – أكرر رغم ثرائه – من بسطاء الناس. تصريحاته ومواقفه ومقترحاته في البرلمان واللجان تشهد باهتمامه بقضاياهم، ومنازلهم، ورواتبهم، وكل ما يشغلهم هم لا ما يشغله هو.

الرئيس الخرافي يرفض أن يتحول الشعب إلى راقصة في ملهى ليلي تُرمى عليها الأموال فتهز أردافها على طاولات تجار السلطة. الرئيس الخرافي متميز حتى في وطنيته، ولو سمع أن "لصّاً" يشتري المناصب بأمواله فسيملأ (أي الخرافي) فم هذا "اللص" بالتراب والحصى قبل أن يسحبه من أذنه إلى النيابة.

الرئيس الخرافي متميز كذلك في معرفة معادن الرجال، ويعلم أن للأموال تأثيراً على الغالبية يفوق تأثير أغاني سميرة توفيق، لكنه يعلم أيضاً أن من يشتري احترامه بأمواله فسيزول احترامه بزوال أمواله، ويعلم أن هناك من سيبصق على الأموال وعلى أصحابها إذا فكروا في شراء ذمته... الرئيس الخرافي محبوب خلقة وخلقاً، لله في لله، لذلك يتدافع الكتّاب الأنقياء من أمثال آية الله والفضائي، يزاحمهم النواب العظماء من أمثال سيد القلاف وسلوى الجسار وعلي العمير للثناء عليه ومهاجمة خصومه.

الرئيس الخرافي عظيمٌ حصد المجد وفرض احترامه بذراعه البحت لا بالأموال السحت. الرئيس الخرافي لثقته العمياء بنفسه ولشموخه وشممه لا يمنع الكتّاب من انتقاده ولا يطلب منهم ومن ملّاك بعض الصحف مهاجمة الرئيس السعدون و"الشاب الأسمر" مسلم البراك.

الرئيس الخرافي يردد معي الآن في وجه كل من يهز ربطات الأموال في يده: سحقاً لك ولأموالك يا وضيع يا مسيكين... "ورفّ الحمام مغرّب يا دادا، مِجْوِز والا فرداوي يا دادا".

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة 

back to top