قبل 60 عاما قيض القدر للكويت حاكما متنورا اسمه الشيخ عبدالله السالم، كان استثناء مطلقا، نُودي بأمير دولة الكويت المعظم، والعظمة في التاريخ تُصنع ولا تُمنح، تُستحق ولا تُؤخذ، بدأ كلماته نهار إعلان استقلال بلاده بـ «شعبي العزيز... إخواني وأولادي».

Ad

صادفت الجمعة الماضية الذكرى الـ49 لإعلان استقلال الكويت عن معاهدة الحماية البريطانية، وتطل علينا بعد خمسة أسابيع الذكرى العشرون للغزو العراقي على الكويت.

بين الرقمين ولد وطن وسقط آخر، بينهما وبعدهما كانت الكويت وستبقى، علامة فارقة بالمنطقة كما أراد لها المؤسسون، المجلس التأسيسي وولادة الدستور، ثم ما أعقب ذلك من صراع نفوذ وأقطاب، أعقبه تزوير انتخابات المجلس عام 1967 وما تلاها من أحداث، وبعد 43 عاما على الحادثة الشهيرة، يأتي اليوم من يريد تزوير التاريخ ليتساءل ببلاهة: ما شواهد إقدام السلطة على تزوير إرادة الشعب عام 1967؟

بقدر تفاهة السؤال تكون غصة الوطن بمن يريد إلغاء التاريخ من الداخل بعد فشل إلغاء الجغرافيا من الخارج، وتتعاظم الغصة بتعاظم الإثم وتجيير الحاضر وإهمال الماضي، فنتناسى مشكلتنا الأولى: عدم إحساسنا بالغرق مع هذا الوطن على مهل، بعد أن أفرطنا الانغماس ببحث الطريقة الأنسب لإصلاح السفينة المشارفة على الضياع، وهو ما يؤهلنا لدخول التاريخ بكوننا شعباً مرفهاً لم تمكنه كثرة أمواله من إنقاذ وطنه.

حققت الكويت العام الماضي فوائض مالية بموازنتها مقدارها 80 مليار دينار كويتي، وعملتها الأغلى في العالم، ومستقرة أمنيا وسياسيا، ومخزوناتها النفطية والمالية جيدة جدا، ولا تعاني اختلالا جغرافيا، ووضعها المالي مليء، تعرضت لأزمات حقيقية وعميقة لكنها لاتزال متألقة كعروس شابة تتأهب لحفل زفافها، ومع ذلك تنقطع عنها الكهرباء، وتتحول جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة الوضع الكهربائي إلى «فزعة قبلية» قبل أن تنتهي بتوصية تخفيف ساعات عمل الموظفين في مؤسسات الدولة الرسمية.

لم تعد الكويت قادرة على الإدهاش، وأصبح كل أمر فيها متوقعا وغير مستغرب، رجال دولة مبتعدون، وصناع قرار لا يملكون من قرارهم شيئا، ونواب يستعرضون أداوتهم الدستورية خارج المؤسسة البرلمانية، ووزراء لا يستطيعون تطبيق القانون ولا يملكون من أمرهم شيئا، لأننا نمر اليوم بمرحلة استثنائية.

شاسع هو البون بين الريادة والتراجع، إنها نقطة التلاقي المتوازي، نهاية الانهيار وبداية الارتقاء، أو نهاية الارتقاء وبداية الانهيار، مرحلة يستمر فيها الماضي بإلقاء قاذوراته علينا: فساد التشريع، تقنين المخالفات، توزيع الثروة، شراء الذمم على نفقة المال العام، التجنيس السياسي والعشوائي، إطلاق لحى العسكريين، تهميش المرأة، التضييق على الحريات، الضوابط الجديدة، انحراف استخدام الحقوق، تقليص الضمانات الدستورية، هيمنة التيار الديني، جميعها مقدمات منطقية لنهاية مأساوية علامتها الانهيار العام، ولكم مثال في قطاعات التربية والرياضة والفن والتعليم والإعلام والاقتصاد.

قبل 60 عاما قيض القدر للكويت حاكما متنورا اسمه الشيخ عبدالله السالم، كان استثناء مطلقا، نُودي بأمير دولة الكويت المعظم، والعظمة في التاريخ تُصنع ولا تُمنح، تُستحق ولا تُؤخذ، بدأ كلماته نهار إعلان استقلال بلاده بـ»شعبي العزيز... إخواني وأولادي»، ومنذ وفاته قبل 45 عاما مضت تغيرت الكويت كثيرا، وتغير خلالها الكويتيون أكثر.