ها هم الأميركيون يتخبطون لفهم وضع اليمن حيث ظهرت «القاعدة» حديثاً، وحيث تم التخطيط لعملية تفجير طائرة الرحلة (253) التابعة لشركة طيران «نورث ويست»، يوم العيد. ليس الأمر سهلاً، فلليمن تاريخ يمتدّ على 5 آلاف عام تشوبها سياسات معقدة وتحديات اقتصادية هائلة، لكن ازداد فهم الوضع صعوبةً لأننا سمحنا لبعض الإشاعات بتضليلنا... وتشكّل مواجهة هذه الأفكار الخاطئة الخطوة الأولى لفهم وتخطي التهديدات الكبرى التي تواجه الأميركيين واليمنيين والأمن الدولي.
• الإشاعة الأولى: أن سلطة الحكومة اليمنية لا تتخطى حدود العاصمة صنعاء.صحيح أن حكومة الرئيس علي عبدالله صالح تواجه عدداً من المشاكل الأمنية، فقد نشطت «القاعدة» هناك منذ أوائل التسعينيات، وشهدت قوتها تأرجحاً في المستوى بحسب فاعلية جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها الحكومة، فمنذ عام 2004، واجهت الحكومة نشوء حركة تمرد في الشمال تُسمى جماعة الحوثيين، وهي تريد عودة الحكم الديني، وكذلك، تنامى عدد الانفصاليين في المناطق الجنوبية، وهم حاولوا الانسحاب من الحكم عام 1994. يملك عدد كبير من القبائل في الشمال ما يكفي من الأسلحة، وهي تنشط على نطاق واسع خارج بنية الحكومة.لكن أيا من هذه الوقائع لا يعني أن الحكومة تفرض سلطتها في مدن معينة مركزها صنعاء. يفرض الجيش اليمني والشرطة الوطنية دوريات مراقبة يومية في معظم أنحاء البلاد، وفي أي مكان آخر تقريباً وفقاً لما يتطلبه الوضع، ويوجد شبه كبير بين اليمن اليوم والولايات المتحدة خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر، حين واجهت الحكومة الأميركية حركة تمرد في الجنوب وظاهرة «الغرب المتوحش» (Wild West)، لكنها حافظت على قوتها خارج الساحل الشرقي. • الإشاعة الثانية: اليمن هو مخبأ آمن لـ»القاعدة» لأنه موطن أسلاف أسامة بن لادن الذي يلقى دعم القبائل في محافظة حضرموت.كان والد أسامة بن لادن، محمد، واحداً من يمنيين كثيرين حققوا نجاحاً كبيراً خارج بلدهم الأم، لكنّ عائلة بن لادن لا تنتمي إلى أي قبيلة أو عشيرة بارزة سياسياً، ولم تسعَ هذه العائلة إلى استغلال ثرائها للوصول إلى السلطة في اليمن. يلقى أسامة بن لادن بعض الشعبية في اليمن، لكنها لا تتجاوز حجم شعبيته في مناطق أخرى من العالم الإسلامي. تشكّل آفة «القاعدة»- الموجودة في اليمن منذ عام 1992، حين فجّر عناصر من التنظيم فندقاً في عدن كان ينزل فيه جنود أميركيون قبل التوجه إلى الصومال- مشكلة بالنسبة إلى اليمن، ولا علاقة لذلك بروابط بن لادن الأسرية.• الإشاعة الثالثة: يشهد اليمن صراعاً بسبب الانقسامات بين السُنّة والشيعة، مثل العراق تقريباً.غالباً ما توصف حركة تمرّد الحوثيين بالمقاومة الشيعية التي تحارب السُنّة، وفي الواقع، يتبع الحوثيون والرئيس صالح معاً المذهب الزيدي من الطائفة الشيعية المسلمة. بشكل عام، ما من انقسام واضح بين السُنّة والشيعة في اليمن، مع أن الشيعة يميلون إلى العيش في الشمال والشمال الغربي، في حين نجد معظم السُنّة، وتحديداً المنتمون إلى المذهب الشافعي المعتدل، في الجنوب والجنوب الشرقي. في جميع الأحوال، لا أهمية كبرى لمذهب الفرد في اليمن كما هي الحال في بلدان مثل لبنان أو العراق، ومن الطبيعي بالنسبة إلى اليمنيين أن يتحول الفرد من المذهب السُنّي إلى المذهب الشيعي حين يريد ذلك. • الإشاعة الرابعة: تبدي القبائل اليمنية تعاطفاً فطرياً مع «القاعدة» أو الإرهاب.عام 2002، قُتل أبو علي الحريثي، زعيم «القاعدة» في اليمن في تلك الفترة، بضربة من طائرة أميركية دون طيار وبالتنسيق مع الحكومة اليمنية، ووفقاً للعادات القبلية، يحقّ للقبيلة أن تثور ضد الحكومة في حال حصول عملية قتل غير شرعية، لكن لم يصدر أي موقف مماثل. في الواقع، ذكر أحد أقربائه عند تسلّم الجثة لدفنها: «هو اختار مصيره وقد قاده ذلك إلى الموت».لم يكن هذا الموقف حالة استثنائية، ففي ضوء خبرتي في اليمن، ما من تعاطف مترسّخ بين القبائل اليمنية وتنظيم «القاعدة»، فلدى القبائل نزعة انتهازية، لا إيديولوجية، وبالتالي يكمن الخطر في أن تنجح «القاعدة» في استغلال الفرص الناجمة عن إهمال الحكومة. يوجد أيضاً تعاطف عائلي، بين أبناء العم المرتبطين بالأعمام الذين يجمعهم رابط الإخوة. إنها أمور مهمة، لكنّ الأهم بعد هو «رابط الأخوة بين المجاهدين»، أي اليمنيين الذين يتمتعون بخبرة جهادية في أفغانستان، أو العراق، أو أي مكان آخر. أخيراً، ما يطرح أهمية كبرى أيضاً هو سقوط الضحايا الأبرياء بسبب عمليات مكافحة الإرهاب، ما قد يشعل ردة فعل من جانب القبائل.سيكون رسم سياسة أميركية فاعلة لمكافحة الإرهاب في اليمن أمراً صعباً بقدر ما هو ضروري، لكن الإخفاق في قراءة التاريخ والمجتمع اليمني سيعقّد عملية تحديد هذه السياسة وسيهدد تنفيذها.Edmund J. Hull* سفير سابق للولايات المتحدة في اليمن بين عامي 2001 و2004.
مقالات
مخبأ «القاعدة»
15-01-2010