هذا المقال ليس رداً على مقالة بثينة العيسى في القبس يوم الأربعاء الماضي بالمعنى المتعارف عليه للرد، ولكنه جاء كنتيجة للتحفيز الأدبي وهو يتفق مع ما طرحته بثينة أكثر مما يختلف، لذا اقتضى التنويه!
بثينة العيسى كاتبة رواية مهمة فهي لا تشبه أحدا ممن حولها ولا تتشابه مع أحد، لها صوتها وعوالمها وفرادتها الإبداعية منذ بواكيرها وحتى رائعتها "عروس المطر". وما كتبته عن "أغرار" في مقالها ذاك يضيف إليها قدرة الوعي بوجودها كأنثى في عالم ذكوري صارخ. وأهمية قراءة بثينة بالنسبة إلي مصدرها أن أرى كيف ينظر الروائي إلى زميله. الروائي يرى في رؤية زميله الآخر مفاتيح ربما لم ينتبه لها أثناء ضوضاء الكتابة، ويضع لكتابة زميله الروائي منظارا مختلفا عن منظار الناقد المؤسسي أو المدرسي- إن شئتم.بدأت "أغرار"/ الفكرة وأنا أقرأ ذات يوم لسارتر عن شاب فرنسي جاء اليه يسأله سؤالا صعبا: هل يشترك في المقاومة الوطنية للنازية أم يهتم بوالدته التي تحتاج إلى رعايته لأنه وحيدها؟ لم يستطع سارتر أن يجيب عن سؤال الشاب وليس بإمكان أحد أن يجيب عن السؤال. وتصورت ماذا لو سأل الابن أمه هذا السؤال فما إجابتها؟ وماذا لو سأل ذات السؤال لوالده لو كان حيا؟ فهل سيجيب اجابة مختلفة أم مشابهة لإجابة الأم؟ هذه الأسئلة الافتراضية والاجابات المحتملة قد تتغير من فرد الى آخر حين يكون هناك اختيار، ولكنها بالتأكيد ستكون ذات الاجابة حين ينعدم هذا الاختيار.أنا أجبت عن السؤال الذي وجهه الشاب الفرنسي إلى سارتر، وإجابتي هي أحد الاحتمالات الممكنة وربما كانت هناك أكثر من اجابة. المرأة التي نتحدث عنها في السؤال هي الأم وهي ليست الأخت الشابة التي قد تشترك في المقاومة وربما تقودها دون أن تكون الصورة فانتازية، وهي ليست الزوجة التي تستطيع أن تهتم بنفسها أثناء تغيب زوجها أو غيابه. إنها الأم التي تحتاج الى جهد فانتازي يعادل جهد (انجيلا كارتر) وهي تستبدل الأمير الوسيم في قصة "الغرفة الدموية" بأم الفتاة التي تمتطي فرسها وتهاجم القلعة لتنقذ الفتاة من دخول غرفة الدم التي سبق أن دخلها عدد من الزوجات للماركيز السادي.ليست المسألة موقفا مع الحركة النسوية أو ضدها، وليست تلك إحدى مهمات الرواية أو الروائي، وهو أيضا ليس موقفا ضد العالم الذكوري أو معه. لذلك السلبية التي صاحبت الرجل وهو نتاج محض للمؤسسة الذكورية تعادل السلبية التى صاحبت الفتاة وهي نتاج محض للحرية. وما هو ايجابي في الطرح الروائي غالبا ما يكون مفتعلا وبعيدا عن الواقع المتخيل في الذهن الروائي، وهو لا يثيرني أنا على الأقل. الوحيدة التي كانت شخصية هامشية في السرد الروائي ومركزية خارج السرد الروائي هي الأم التي لم يوجه إليها الابن السؤال الذي وجهه الشاب إلى سارتر. هي الوحيدة التي بقيت دون أن تأتي بطولة مدهشة وفانتازية كما فعلت الأم عند انجيلا كارتر حتى تصفق المرأة القارئة ويرتعد القارئ الرجل من قدراتها البدنية. بقيت الأم واقعية بصمودها ضد الجنون الذي مارسه زوجها في صناعة رجولة ابنها والجنون الذي يمارسه الزمن ضد جسدها العجوز.هذه القراءة التي جاءت استجابة للاستثارة التي فرضتها قراءة بثينة العيسى يعيبها أنها قراءة في المستوى الأول للرواية، ولكنها ليست دفاعاً عن النص أو الكاتب.
توابل
الروائي قارئاً
15-02-2010