موضوع سرقة الأفكار الفارغة يعيدني إلى قصة القارئ الذي حضر إلى مكتبي قبل أربع سنوات، وعرفت اسمه قبل دخوله لكثرة رسائله الإلكترونية التي تبدأ بسطر موحد: «أين حقوق الملكية الفكرية؟ لقد سرقوا مقالي». شكا أحد الشعراء إلى عبدالرحمن الجامي بأن كثيرا من الشعراء يسرقون أفكار قصائده ومعانيها، فقال له الجامي: صدقت فما وجدت في أشعارك كلها بيتا واحدا فيه فكرة أو معنى، لقد سرقوها جميعا.

Ad

تذكرت هذه الحكاية الطريفة حين قرأت في جريدة «الجريدة» قبل يومين خبراً نقلته عن وكالة رويترز حول عازف غيتار متجول يعرف باسم «راعي البقر العاري» في ساحة تايمز سكوير بنيويورك رفع قضية على «راعية بقر عارية» قال إنها قلدته وسرقت فكرته لمنافسته، فقد اتهم روبرت بيرك الذي يكسب رزقه بالعزف على الغيتار والوقوف للتصوير في منتصف حي مانهاتن بملابسه الداخلية البيضاء ساندي كين بسرقة علامته التجارية، وطالب بتعويض لم يحدده، مشيرا إلى خرق حقوق الملكية الفكرية والدخول في منافسة غير شريفة.

هذه الفكرة العارية سرقت بسهولة لأنها لم تكلف صاحبها جهدا أكبر من خلع ملابسه، وبالطبع فإن قيام امرأة جميلة بخلع ملابسها سوف يسحق الفكرة الأصلية مثلما سحق الهاتف الجوال فكرة البيجر، وموضوع سرقة الأفكار الفارغة يعيدني إلى قصة القارئ الذي حضر إلى مكتبي قبل أربع سنوات، وعرفت اسمه قبل دخوله لكثرة رسائله الإلكترونية التي تبدأ بسطر موحد: «أين حقوق الملكية الفكرية؟ لقد سرقوا مقالي».

كان رجلا في منتصف العمر يحمل الكثير من الأوراق، ويدعي أن ثلاثة أرباع الكتاب والكاتبات في البلد يسرقون أفكار مقالاته التي ينشرها في صفحات القراء «عيني عينك»، وأنه أرسل شكوى إلى وزارة الثقافة والإعلام، ولكن أحدا لم يكترث بحقوقه الفكرية المسلوبة.

اطلعت على المقالات الكثيرة التي يحملها، والتي لون أسطرها بالألوان الفسفورية لإثبات مواضع السرقة، والتي تعتبر- من وجهة نظره- دليلا دامغا على السطو الفكري المسلح، فوجدت أن أغلب هذه المقالات تتناول قضايا وأفكارا عامة يتداولها كل الناس في كل وقت.

فعلى سبيل المثال قدم لي مقالا لأحد الكتاب حول السياحة الداخلية ينتقد فيه ذلك الكاتب ارتفاع أسعار الشقق المفروشة في المناطق السياحية، ثم طلب صاحبنا مقارنة هذا السطر بما كتبه هو في صفحة القراء قبل نشر هذا المقال، قلت له إن مسألة غلاء أسعار الشقق المفروشة هي أول ما يخطر على البال حين يتحدث أي شخص عن السياحة الداخلية، فلم يكن منه إلا أن قدم لي مقالا آخر لكاتب آخر في الصحيفة ذاتها يتحدث عن الصراع الطائفي في العراق، مؤكدا أن قوات الاحتلال هي التي تشعل هذا الصراع لترسيخ وجودها، ويبدو أن كلمة «ترسيخ» بالذات هي التي رسخت في ذهنه أن هذه المقالة مسروقة من إحدى مقالاته السابقة، ولأنه لم يجد التلوين بالأقلام الفسفورية كافيا لإثبات هذه السرقة، فقد وضع دائرة حول كلمة «ترسيخ» لضبط ذلك الكاتب متلبسا بالجرم المشهود وترسيخ جريمته.

والمذهل في الأمر أن صاحبنا يحتفظ بسجل سوابق لكل كاتب وكاتبة، حيث لم يكتف هؤلاء بسرقة أفكاره بل سرقوا أفكار كتاب آخرين ومقولات في برامج ومسلسلات تلفزيونية، سألته عن جهة عمله فقال لي إنه يعمل في المرور، ففهمت سبب المخالفات التي يجدولها الكمبيوتر دون أن تتذكر أنك قمت بها فعلا.

تعاطفت مع قصة هذا القارئ الذي سرقه اللصوص ونهب قطاع الطرق أفكاره حتى أصبح «رجلا بلا أفكار»، واقترحت عليه إجراء حوار صحفي معه يفضح فيه هؤلاء اللصوص، ولكنه قال إنه يفضل أن أكتب مقالا أتبنى فيه قضيته، فقلت له إن مثل هذا المقال سيكون سرقة علنية لأنه أوحى إلي بفكرته، فأجاب: «لا... عادي، مادمت أنا اللي قلت لك ما تعتبر سرقة بل تعتبر هبة».

* كاتب سعودي