صادق العظم مثالاً: الليبراليون وحل الأزمة العراقية

نشر في 07-07-2010
آخر تحديث 07-07-2010 | 00:01
 د. شاكر النابلسي لعل الرؤية الليبرالية العلْمانية للحل السياسي والاحتقان السياسي في العراق، تعتبر من أكثر الحلول العقلانية والواقعية، التي كان على العراق أن يأخذ بها قبل فجر التاسع من إبريل 2003، حيث إن هذه الرؤية الليبرالية كالدواء، يُشترط فيه أولاً تشخيص المرض تشخيصاً طبياً وعلمياً سليماً، وثانياً، اكتشاف هذا المرض في مراحله الأولى، قبل أن يستفحل، ويصعُب دواؤه، والشفاء منه. وثالثاً، توافر هذا الدواء، وضمان الحصول عليه.

الخشية من شر أكبر! إن الاحتقان السياسي الخطير، الذي بدأ منذ حقب طويلة قبل فجر 9 إبريل 2003، ومازال مستمراً حتى الآن، ومن المنتظر- كما تدل كل مؤشرات الأحزاب والطوائف السياسية العراقية- أن يستمر مدة طويلة، إلى أن يصير إعادة النظر في التربية السياسية العراقية، التي هي جزء لا يتجزأ من التربية والتراث السياسي العربي... هذا الاحتقان السياسي الذي أصبح كالدمَّل الكبير والمؤلم المليء بالقيح، يُخشى ألا جراحة له، ولا شفاء منه، إلا بانقلاب عسكري، أو بثورة شعبية غير مستبعدة.

ولكن المؤلم، والمدمر أيضاً، أن يأتي الانقلاب العسكري، أو الثورة الشعبية، بحزمة أخرى من السياسيين على شاكلة السياسيين، الذين هم على الساحة العراقية الآن، والذين يتصارعون على الكراسي والمنافع، من خلال محاصصة طائفية، ودينية، وإثنية مقيتة، وكريهة، ومضرة أشد الضرر بالعراق.

إزالة الدكتاتورية وليس الدكتاتور! ويبدو أن الإدارة الأميركية بقيادة أوباما، أدركت في النهاية- وللأسف الشديد في النهاية فقط- أن الحالة العراقية الحالية، ميؤوس منها، وأنها ليست من المعضلات السياسية التي يمكن حلّها بالقوة العسكرية، بقدر ما هي تربية وتراث سياسي متجذر في الأعماق العراقية، ويحتاج إلى سنوات طويلة من إعادة التأهيل الصحي/السياسي Rehabilitation. وألا فائدة من المكوث عسكرياً مدة أطول في العراق، لاسيما أن الأمن العراقي أصبح- إلى حد ما- مؤهلاً لكي يضبط نسبة كبيرة من الأمن الوطني. ويبدو أن إدارة أوباما المثقف سياسياً وعلمياً ثقافة رفيعة، على غرار ثقافة وعلم ومعرفة الرئيس الأميركي الأشهر، وربما الوحيد في التاريخ الأميركي المعاصر، وهو الرئيس وودرو ويلسون (1912)، أيقن وتأمل حقيقة العراق السياسية من الداخل، فوجد أنه من الأفضل عدم المكوث في العراق، والخروج من هذا المأزق السياسي والعسكري، لاسيما أن أوباما يؤمن بأنه ليس المهم القضاء واقتلاع الدكتاتور، ولكن المهم اقتلاع والقضاء على الدكتاتورية نفسها. ومن دون ذلك ستظل الدكتاتورية متأصلة في النفوس، كما هي متأصلة الآن في السياسيين العراقيين الحاليين، وكما قالت جريدة "الإندبندنت"- كما ذكرنا في مقالنا السابق- فقد ظهر في العراق الآن صدام دكتاتوري آخر، ذلك أن ما جرى فجر التاسع من إبريل 2003 لم يكن اقتلاعاً للدكتاتورية ولكنه اقتلاع فسيلة من فسائلها وهو صدام حسين.  أما الشجرة بفسائلها المختلفة، فقد بقيت في الأرض السياسية العراقية، وذلك على عكس ما تمَّ في اليابان، وكوريا الجنوبية، عشية الحرب العالمية الثانية، وعام 1952، وكذلك على عكس ما تمَّ في ألمانيا، وإيطاليا، وروسيا الستيالينة، بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم اقتلاع الدكتاتورية من جذورها، وبناء تربية سياسية ديمقراطية جديدة، وتربية سياسيين على المبادئ الديمقراطي، ومن هنا، قررت إدارة الرئيس أوباما الانسحاب من العراق قبل الموعد المقرر بشهرين، توفيراً للمال، والجهد، ورتقاً لشعبية أوباما المتدهورة داخل أميركا، وأملاً بالفوز في فترة ثانية، في الانتخابات الرئاسية القادمة 2012.

دواء ناجع لمرض مزمن: صادق جلال العظم من المثقفين الليبراليين المشهورين في العالم العربي بعد 1967، وبعد أن أصدر كتابه "النقد الذاتي بعد الهزيمة، 1968" وكتابه الآخر "نقد الفكر الديني، 1969"، وقد طردته الجامعة الأميركية في بيروت من بين صفوف مدرسيها، نتيجة لجرأة وشجاعة هذين الكتابين، وما واجهاه من نقد عنيف من قبل الأصولية الدينية والسياسية في العالم العربي، وبالمقابل قامت جامعة توبينغن الألمانية، بمنح العظم "جائزة ليوبولد لوكاش" للتفوق العلمي عام 2004، بينما أنكره العالم العربي والإسلامي أشد الإنكار، وبغضه أكبر البغضاء، وأشنعها.

ويُوصف العظم من قبل الأصوليين الدينيين، بأنه خارجي، وكافر، وزنديق، ومنافح عن الثقافة الغربية، ولكن العراقيين بحاجة هذه الأيام، للإنصات إلى العظم، وهو يقدم لهم الدواء الناجع لمشكلتهم السياسية الأزلية، التي بدأت منذ العهد الأموي، ولم تنتهِ حتى الآن، وليست هناك وصفة سحرية، ولا شعوذة سياسية، يريد العظم تسويقها من خلال هذا الدواء السياسي للداء العراقي، والذي يتلخص في نقاط كثيرة. ولكن قبل ذلك، يسألنا العظم السؤال التالي المهم: هل يمكن لهذا البلد العربي المعذب، أن يبقى سليماً، دون أن يتمكن من التوصل إلى اتفاق- صريح أو مضمر- بين الجماعات الدينية، والطوائف، والكتل، والفئات، التي يتألف منها سكانه؛ اتفاق يرضى- دون تحفظ- بدولة، وشكل للحكومة، يمكن أن يسميها البعض علمانية، ويسميها آخرون حديثة، أو يسميها غيرهم محايدة دينياً؟

وجواب العظم هو النفي القاطع، فالساسة والقيادات العراقية، مطالبون اليوم، من أجل إنقاذ العراق ومستقبل أبنائهم، بتناول الدواء السياسي والثقافي والاجتماعي التالي:

1 - على الطوائف المسلمة، سحب كل ما من شأنه أن ينتقص من حقوق أهل الذمة في البلاد (المسيحيين واليهود)، ودون ذلك لن تكون الدولة العراقية لكل المواطنين.

2 - على الطوائف المسلمة، إلغاء العقوبات البدنية، التي لا تتناسب وروح، وقيم العصر، وهي العقوبات التي استغلها الدكتاتور السابق لإنزال أشنع العقوبات بمعارضيه.

3 - على الطوائف المسلمة رفض النظرة الأصولية إلى العالمين الخارجي والداخلي، واعتبارهما مجالاً حافلاً بالكفار الملعونين، والمرتدين، وهذا يعني وضع حد للتقسيم الضيق للعالم بين "دار الحرب"، و"دار السلام".

4 - على الطائفة الشيعية الابتعاد عن حكومة "ولاية الفقيه"، المستمدة من الفقه الإمامي.

5 - على الأغلبية السكانية الشيعية الاعتراف والالتزام بمبدأ أن الديمقراطية لا تعني فقط حكم الأغلبية، بل تعني حكم الأغلبية مع حفظ حقوق الأقلية، في آن واحد معاً.

6 - عدم اعتبار المرأة بوصفها عورة؛ أي كونها شيئاً مخجلاً، يتوجب إخفاؤه والتستر عليه، كما لو كان فضيحة.

7 - اعتذار السُنَّة للشيعة عن الجريمة النكراء لمقتل الإمام الحسين، كما اعتذر الروس لأمم كثيرة عن أخطاء الماضي، وكما اعتذرت اليابان لكوريا والصين، وكما اعتذر بيض جنوب إفريقيا للسود.

* كاتب أردني

back to top