سيناريو صيد الرؤوس الإيرانية

نشر في 17-01-2010 | 00:00
آخر تحديث 17-01-2010 | 00:00
 ياسر عبد العزيز مع تزايد عدد العلماء النوويين الإيرانيين الذين قُتلوا أو خُطفوا أو فروا خارج البلاد، تجد طهران نفسها بين أمرين أحلاهما مر: فإما أن تكرس اتهاماتها للاستخبارات الأميركية والإسرائيلية باستهداف علمائها، مما يعني اعترافها بقابليتها الشديدة للاختراق، وإما أن تقر بهروب العلماء الإرادي، أو استهدافهم من قبل منظمات إيرانية معارضة، أو حتى قيام أجنحة في الحكم بتصفيتهم لرفضهم التعاون مع الدولة أو لميولهم الإصلاحية.

لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن السلطات الإيرانية قررت اتخاذ الحل الأسهل، مهما كلفها هذا من خسائر بحق سمعتها، التي اجتهدت في بنائها في السنوات التي تلت الثورة الإسلامية نهاية سبعينيات القرن الفائت، مكرسة الانطباع عن نظام استخباراتي قوي ونافذ ومن الصعب جدا اختراقه.

هذا، على الأقل، ما فعله رئيس البرلمان علي لاريجاني، الذي اتهم «الموساد» والـ«سي آي إيه» بالوقوف وراء الاعتداء الذي قُتل فيه العالم النووي مسعود علي محمدي الثلاثاء الماضي، عندما استهدفه تفجير، بالقرب من منزله في شمال طهران، بعد شهر واحد فقط من اضطرار طهران إلى اتهام الولايات المتحدة بخطف العالم النووي شهرام أميري، الذي فُقد أثره في شهر يونيو الماضي، خلال أدائه مناسك العمرة.

وفي مطلع عام 2007، أعلنت إيران وفاة غامضة للعالم النووي البارز أردشير حسن بور، قبل أن يُعلن اختفاء الجنرال علي رضا أصغري، في شهر مارس من العام نفسه، وهو القيادي البارز في العسكرية الإيرانية، الذي اُعتقد على نطاق واسع أنه سرب معلومات مهمة للولايات المتحدة الأميركية لاحقاً.

تذكرنا تلك التطورات المتعاقبة بما أقدمت عليه إسرائيل والصهيونية العالمية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في مواجهة البرنامج العسكري المصري النشط آنذاك. فقد استهدفت «الموساد» العلماء الألمان الذين حاولوا الإسهام في تطوير برامج الصواريخ المصرية بالطرود المفخخة، التي قتلت وجرحت الكثيرين منهم، ووجهت ضربة قاضية للبرنامج المصري الطموح وأنهت التعاون الألماني الميداني مع القاهرة في هذا الصدد.

وثمة سلسلة أخرى من العلماء العرب الذين برزوا في مجالات الأنشطة النووية خصوصاً، والذين كانوا ضحايا حوادث قتل معظمها غامض، وتم تقييدها ضد مجهول. من هؤلاء الدكتور يحيى المشد عالم الذرة المصري، الذي كان مشرفاً على البرنامج النووي العراقي في سبعينيات القرن الماضي، والذي قُتل في حادث غامض بأحد فنادق العاصمة الفرنسية، في يونيو من عام 1980.

وبينهم أيضاً الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية التي قتلت في حادث سير خلال زيارة علمية قامت بها إلى الولايات المتحدة في عام 1952، وكذلك مواطنها سمير نجيب عالم الذرة الذي قتل بحادث سير بالدولة ذاتها عام 1967، والفلسطيني نبيل فليفل الذي قتل عام 1984، إضافة إلى المصري الدكتور نبيل القليني الذي اختفى في تشيكوسلوفاكيا عام 1975، ومواطنه سعيد بدير، الذي سقط من شرفة منزله بالإسكندرية عام 1988، فيما كان يواصل نجاحاته المبهرة في مجال تطوير الصواريخ.

ثمة عدد من السيناريوهات التي يمكن أن تحل محل سيناريو الحرب البغيضة المحتملة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، والتي يمكن أن تجنب المنطقة والعالم شروراً ومخاطر كارثية. سيناريوهات اللاحرب تعتمد على أن الولايات المتحدة في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، ومخاوف الردع، وانشغالات الحربين في أفغانستان والعراق ربما تلجأ إلى حلول غير عسكرية.

السيناريو الأول: ينصب على رضوخ إيران، ومن ثم موافقتها على تجميد مشروعها النووي، أو وضعه بالكامل تحت رقابة صارمة، تضمن عدم خروجه عن حدود محسوبة بدقة، لا تفضي في أوج تقدمها إلى تطوير سلاح نووي، في مقابل حزمة مغرية من الامتيازات؛ بعضها مكاسب مادية مباشرة، وبعضها الآخر مكاسب استراتيجية، تحقق لها مصالح إقليمية معتبرة.

السيناريو الثاني: يستند إلى تطوير حال حشد وتهديد صارمة، تقتنع طهران على أثرها بأن محاولة المضي قدماً في خططها المزعومة لتطوير السلاح النووي ستنطوي على تكلفة أكثر من احتمالها، ومن ثم فهي سترضخ أيضاً لتفكيك مشروعها، وإبقائه قيد المراقبة، تحسباً وترقباً لظرف دولي وإقليمي يمكنها من استعادته وتطويره في مرحلة زمنية أخرى قد تبعد أو تقترب وفق موازين القوى الدولية والإقليمية وحساباتها المتغيرة.

أما السيناريو الثالث، فيتعلق باحتمال اقتناع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والعالم بأن خيار الحرب غير وارد بالنسبة إليها على الإطلاق، بالنظر إلى الخسائر الاستراتيجية التي يمكن أن يتمخض عنها، وبالنظر إلى التمترس الإيراني الكبير، والرغبة الواضحة لدى قطاعات في الحكم الإيراني لامتلاك السلاح النووي أياً كانت التكاليف، وهنا قد تقبل واشنطن والغرب بسلاح نووي إيراني ضمن نظام ردع فعال مشابه لذلك الذي تم تطويره في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق.

أما السيناريو الأخير، الذي يبدو أن حظوظه في ازدياد؛ فهو سيناريو «صيد الرؤوس»، الذي يعتمد على تفريغ النخبة العلمية الإيرانية القادرة على تطوير المعارف النووية وتصنيع السلاح المنشود، عبر الاغتيال أو الخطف أو الاستمالة، وهو سيناريو تبدو تكاليفه أقل وعوائده أضخم وإن كانت أبطأ، ولا يبدو أن طهران وجدت طريقاً لصده حتى الآن.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top