كرة السيدات بين الدستور والشريعة!
أحيانا تنال بعض الموضوعات، اهتماما صحفيا، لا أجد له تفسيرا، فلا تكاد ترى كاتبا إلا تناوشها صفعا ولكما هنا وهناك، فلا تعود تجد فيه، أي الموضوع وليس الكاتب، ثقب إبرة إلا ازرقّ أو احمرّ من أثر طعنة بقلم أو ضربة بزر «كيبورد»، ومن هذه الموضوعات مثلا، موضوع رشاشات «الرغوة» التي انتشرت بين أيادي الأطفال والمراهقين في العيد الوطني وانتشرت تبعا لذلك في زوايا وأعمدة الزملاء، وهو الموضوع الذي بالرغم من كل هذا التناول الإعلامي انتهى إلى لا شيء، أي تماما إلى ما كانت تنتهي إليه تلك الرغوة!ولهذا فقد ترددت في كتابة مقال اليوم، لأن موضوعه كتلك الرغوة، أي أنه مؤهل لينتهي إلى لا شيء، وأيضا لأنه رغوي زلق بذاته مليء بالفقاعات الهوائية.
والموضوع هو مشاركة منتخب الكويت للسيدات في بطولة غرب آسيا، طبعا دون التطرق لهزيمته الماحقة الساحقة على «قدم» نظيره الفلسطيني بسبعة عشر هدفا نظيفا ذكرتنا بتلك الهزائم الكوميدية لمنتخب بوتان، وعاصفة الاعتراضات التي ثارت ضد هذه المشاركة، وليس ضد الهزيمة الكارثة، من باب أن فيها مخالفة شرعية.أما زاويتي التي أقارب فيها هذا الموضوع فهو أني صرت عاجزا عن أن أفهم، لماذا وعند كل مرة يثار فيها موضوع مشابه له، كقصة حجاب الوزيرة والنائبات، تلك التي أشغلت الناس ردحا من الزمن، وينبري فيها أحد ما للتصدي لمن يعترضون، يتجه إلى استخدام حجج وذرائع ودفوعات لا تؤثر في الميزان، ناهيك عن أن تقنع المعترضين بطبيعة الحال. لا أصدق مثلا أن تتصدى النائبة د. أسيل العوضي اليوم للدفاع عن حق الفتيات بالمشاركة في هذه البطولة بحجة أن الكثير من الدول الإسلامية تشارك بفرق نسائية في الألعاب الدولية، وأنه هل نحن فقط في الكويت نفهم الشرع بالطريقة الصحيحة؟ أو أن يصرح النائب عدنان المطوع: إن هذه تدخلات في حرية الغير، وإنه يرفض تقييد الحريات بشتى أنواعها، وإن من راقب الناس مات هماً (!!)، أو أن تكتب الدكتورة كافية رمضان قائلة بأن هؤلاء الفتيات قد حصلن على موافقات أولياء أمورهن وأن ليس من حق أي أحد بعد ذلك أن ينصب نفسه وليا عليهن!إن مجرد استخدام مثل هذه الحجج، إنما يحمل في داخله اعترافا ضمنيا بأن الخلاف هو خلاف يدور حول المعايير الشرعية والأخلاقية لمشاركة أولئك الفتيات في هذه البطولة، وسيعطي الحجة للطرف المعترض للجوء إلى استصدار فتوى ما من هذه الجهة أو تلك، ليستند إليها لرفض هذه المشاركة، وحينها يكون السؤال: هل سيقبل من أدخل نفسه إلى هذه الحلبة بهذه الفتوى؟!أمر غريب فعلا، ولا أدري كيف نسي البعض وبهذه السرعة إلى أين انتهت قضية حجاب الوزيرة والنائبات؟! وكيف كانت هناك تصريحات مماثلة بأن في الأمر مخالفات شرعية، بل كيف كانت هناك فتوى واضحة صدرت عن وزارة الأوقاف بهذا الصدد؟ وإذا بكل الأمر ينتهي إلى المحكمة الدستورية التي استندت إلى اللوائح الدستورية والقوانين الوضعية، لا إلى أي شيء آخر. يا سادة، إن الحقيقة التي آن لنا جميعا أن نتقبلها، حتى نتحرك إلى الأمام دون إضاعة المزيد من الوقت في الجدال عند كل قضية ومنعطف، ولكي يعرف الجميع على أي أساس يجب الوقوف، حتى إن كره بعضنا ذلك، هو أننا في دولة دستورها وقانونها وضعي، ولسنا في دولة تحتكم إلى شريعة وفتاوى، حتى إن قالت المادة الثانية من هذا الدستور إن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع، فالمحكمة الدستورية في قضية الحجاب لم تستند إلى فتوى الأوقاف، ولذلك فإن هذه القضية ستؤول في النهاية، وفي أقصى حالاتها، إلى ما آلت إليه قضية الحجاب، أي إلى ذات القوانين واللوائح الوضعية، وبالتالي، فعلى من يريد الدفاع عن منتخب السيدات أن تقوم تصريحاته ومجمل حراكه على هذا، لا على أي شيء آخر لن يوصل إلى أي شيء.أكتب هذا وأنا مدرك أن البعض سيخرجه من معناه المباشر، وربما سيقولني ما لم أقل، لكن لا يهم، فالمهم عندي هو الإشارة إلى الحقيقة التي لا أدري لماذا تحوم الأغلبية حولها دون أن تدركها! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة