دار حوار بيني وبين أحد الأصحاب حول مواقف الجماعات والنواب الإسلاميين من مسألة «إسقاط فوائد القروض»، فجمعنا الاستغراب مما يطرحونه ولكننا افترقنا عند تحديد السبب!

Ad

اختلاف الإسلاميين في مسألة التعامل مع «فوائد» القروض واضح للجميع، فمنهم من طالب بإسقاطها بالجملة ووقف عند ذلك، ومنهم من عارض الأمر بدعوى أنه مناف للعدالة وبأنه لا يتوافق والدستور وسيؤثر في الاقتصاد، بل قد يؤدي إلى انهياره وغير ذلك من التبريرات العقلية والحسابية، ومنهم من ذهب إلى البحث عن فتوى هنا أو فتوى هناك، إما بهدف التحليل وإما التحريم، ومنهم، وهؤلاء هم الأظرف، من دخل في مشادات جانبية حامت حول الموضوع ولم تلامس صلبه، كمشادة هل أفتت لجنتكم العلمية أم لم تفت؟!

مثار الاستغراب الذي احتواني وصاحبي هو أن يحصل هذا بالرغم من أن المفروض أن يكون هدف تصدي الإسلاميين للبنوك التقليدية وقروضها، وهي التي كانوا يسمونها طوال عمرهم وبكل صراحة، بالبنوك «الربوية»، من الأهداف الأكثر وضوحا لهم، فهل أضحى الإسلاميون اليوم بحاجة إلى البحث عن فتوى «جديدة» حول التعامل مع فوائد القروض «الربوية»، مع أن الفتوى قد صدرت في حق ذلك منذ 1400 سنة من الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه، يوم قال في خطبة الوداع «إن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وقضى الله أنه لا ربا، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبدالمطلب»؟!

جماعتنا هم أنفسهم الذين علمونا يوم كنا صغارا بأنهم ما خاضوا العمل السياسي والبرلماني إلا لمدافعة المنكر وتقديم البديل الشرعي، والسعي لأسلمة النظم والقوانين الوضعية، لذلك فالسؤال الملح هنا هو كيف يقبلون اليوم مجرد الحديث عن إسقاط فوائد القروض «الربوية»، وأن تقوم الدولة بسدادها من خزينتها بالكامل للبنوك التقليدية ليبقى نظام هذه القروض بكامله مستمرا، بل ليساهم في أن تعود عجلته للدوران من جديد وبشكل محموم حين يجد الناس أنفسهم وقد أفلتوا من الالتزامات السابقة التي كانت تثقل كواهلهم، وأصبحوا قادرين على الاقتراض «الربوي» مجددا؟! هل فقد الإسلاميون اليوم شجاعتهم في أن يقولوا عن الحرام «حراما»، كما كانوا يفعلون سابقا يوم كانوا بعيدين عن قبة البرلمان، فيشيرون إلى هذا النظام الربوي برمته وبكل صراحة بأنه ربا من الأساس ولابد من إلغائه، لا الاكتفاء بالمعالجات الفرعية؟ أم أنهم ما عادوا يرون الأمر كذلك، وبالتالي فلا مشكلة عندهم من إسقاط فوائد القروض تخفيفا عن الناس مع استمرار نظام الإقراض التقليدي قائما؟!

أم أن المسألة قد غدت اليوم برمتها سياسة في سياسة، وكل ما هنالك شعارات تدغدغ مشاعر الناس لا أكثر؟! وهذا السؤال أوجهه إلى كل من قال إنه قد تناول الموضوع من زاوية شرعية!

صاحبي، الذي حاورني، يرى أن جماعتنا، أعني الإسلاميين، يجهلون هذه الصورة وأنها غائبة عن أذهانهم، لكنني أفترق في هذه، فلا أظن ذلك، فموضوع الربا محسوم عند كل جماعاتنا الإسلامية سواء من الإخوان أو السلف، وليس منهم من يعتنق- علناً- تلك الآراء الفقهية التي لا تعتبر فوائد البنوك التقليدية ربا محرما، ولو سألت اليوم أي واحد منهم، كبيرا كان أو صغيرا في المرتبة العلمية الشرعية، لما قال غير هذا، لكن قصارى الأمر في ظني أنهم قد فقدوا شجاعتهم «السياسية» التي كانت في الأمس، وصار الواحد منهم اليوم يخشى لو أنه طرح فكرة إلغاء التعامل بالربا من الأساس بأن يتهم بالغباء السياسي أو السخافة!

هل ستصل الرسالة إلى أحد من جماعتنا، لو أنني قلت إنه قد صار لزاما عليهم اليوم إعادة النظر في أجندتهم «الشرعية/السياسية» ومراجعة حساباتهم، ليعيدوا توجيه بوصلتهم التي انحرفت بسبب التأثيرات «المغناطيسية» في العمل السياسي؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة