في بلاد الكفرة الفجرة، الذين وجوههم ترهقها قَتَرة (افتح القاف والتاء، الله يفتحها عليك)، يموت الكافر بن الكافر فتنهمر الدموع من أعين ذويه بهدوء، ثم ترتدي امرأته وشقيقاته الأسود من الهدوم ويتّجهن مع الأقارب والأصدقاء إلى المقبرة المليئة بالورود والمناظر الخلّابة، ليضع الجميع وروداً على القبر، وخلال نصف ساعة ينصرف الجميع. وعندنا نحن المسلمين الطاهرين الذين سندخل الجنة وحدنا وسنغلق بابها خلفنا، يموت الواحد منا فيطلب أهل الميّت «نسّاف رمل»، وهات يا نثر الرمل على الرؤوس، وهات يا تمايل ودموع مصطنعة ومفبركة، وهات يا نواح على الفقيد الشهيد، الذي قاد الجيوش، وهزّ العروش، وفسفس القروش، بينما هو لا يعادل في السوق سعر عنزة جرباء، يتيمة الأبوين.

Ad

ويسافر أحدنا من صعيد مصر إلى الكويت ليجلس على مكتب وثير أمام مكيف له زئير، فيخرج معه «الكَفْر» كله على هاف لوري، ودموع، ومناحة، وربنا حارسك يا ابن بطني يا أصيل. ويسافر العسكري الأميركي من بيته في تكساس للقتال في أفغانستان، ويعيش في الجبال بين الثعابين والأفغان، وقد يعود وقد لا يعود، فيفتي فيفتي، ولا يودعه إلا امرأته وطفله الصغير، بوردتين، وابتسامة، وتلويح بأصابع اليد اليمنى، وفي طريق العودة من المطار إلى البيت، تشتري المرأة «لبّ وحَب مالح» وتقزّرها «تأزئيز»، على رأي بيرم التونسي، لا تشتكي إلى أحد ولا تستعرض حبها لزوجها أمام المارة وعابري السبيل والمؤلّفة قلوبهم! وهم في بريطانيا يسمّون الطبيب البروفيسور «المستر فلان»، والحارس «مستر علّان»، وكلهم على بعض مساتر، ونحن نعتبر أنّ الشاب الذي للتو تخرّج من كلية الطب «دكتور وناشط سياسي وأعزب ويعول خمسة أولاد».

نحن أمة «شو» واستعراض على الفاشوش المغشوش، وكلنا ندّعي المظلومية، ونكافح مظلومياتنا بالدعاء فقط، وهي حيلة العاجز، فأنت عندما تصفع المرأة العاجزة، لا تجد هي إلا الدعاء عليك، بينما إذا أنت صفعت «شنباً» فسيصفعك وسيركلك وسيدهسك بإذن الله، من دون دعاء، أنت الذي ستدعو عليه وأنت تحت قدميه، ونحن امرأة عاجزة تدوسنا الأمم بالجزم فنغضب ونرفع أيدينا بالدعاء عليهم لننتقم: «اللهم إنا نشكو إليك ضعفنا بين الأمم»، ثم نروح ننام بعد هذا الانتقام.

ونحن إذا ظهرت عندنا قنوات فضائية، تعيش في المجاري، وتعتاش على الطحالب، وشرعت تشرشحنا، وتبهدل ديمقراطيتنا، وتسخر من نواب المعارضة بطريقة راقصات السراديب، وتفتري، وتفجر، وتقول كلاماً يزكم الأنوف، لو شمّه كلب لعَوى ثم انزوى، لا نفكر إلا في إغلاقها والدعاء والشكوى عليها. لا نفكر في افتتاح قنوات منافسة عليها القيمة، ولا نرد التحية بمثلها، فننتج مسلسلاً اسمه «هي أرجل من أخيها»، مثلاً، ولا نثق بالشعب وأنه سيمل رائحة المجاري عما قريب وسيبحث عن الحدائق الزاهية. نحن فقط نبكي ونشكي ونرغي: «اللهم إنا نشكو إليك ضعفنا». عجايز.

وفي الأيام الماضية، أجبرتني الضجة على مشاهدة بعض حلقات المسلسل المذكور، في القناة سافلة الذكر، أو سالفة الذكر، وتأكدت أن المسلسل فقير يستحق صدقة قليلة تفرج مصائب كبيرة، وأيقنت أن القصة والسيناريو والحوار والأداء – باستثناء الأطفال الأربعة - كلها من سوق الجمعة، فقط «الماكيير»، هو من يستحق التصفيق. لكن ومع ذا سنقاتل الحكومة كي لا تغلق القناة أو توقف المسلسل، وسنقاتل أيضا من أجل إلغاء الرقابة المسبقة على نصوص المسلسلات والمسرحيات والقصص والروايات. وتذكّروا كم سنة وأنتم أوصياء على الناس، وماذا كانت النتيجة؟ مزيداً من الجهل والتخلف والتعصب الطائفي.

ونحن مع النائبين عبد السلام النابلسي وعلي بو دمعة في عدم تقييد الحريات، وأرجو ألا يغضبا منا ولا يبكيا ولا يشتكيا علينا ويطالبا بإحالتنا إلى أمن الدولة، كالعادة، إنْ نحن وضعناهما على خشبة المسرح وأعلنّا بيعَ التذاكر لمن أراد أن يضحك. معلش، الحرية ليست دائماً «دوش بارد يعقبه عصير الليمون»... تبون حرية؟ على هالخشم.