الأدب وقلة الأدب 
في الصحافة... وغيرها!

نشر في 12-07-2009
آخر تحديث 12-07-2009 | 00:01
 د. ساجد العبدلي هناك نكتة قديمة تقول إن راقصة كانت تقود سيارتها الفارهة، فصادفت في الطريق الأديب الراحل الشهير نجيب محفوظ وهو يقود سيارة متهالكة، فقالت له: انظر ماذا أعطاك الأدب، وماذا أعطتني قلة الأدب!

النكتة خيالية طبعا، فمعروف أن نجيب محفوظ لم يكُن يقود سيارة أصلاً، لكنها لا تبتعد عن الواقع كثيراً، فقد كانت حال الأديب الراحل المادية بسيطة جداً حتى حصل على جائزة «نوبل» للأدب في عام (1988) وحينها كان قد بلغ من العمر 77 عاما.

لكن الراقصة في تلك النكتة الخيالية لم تكذب، فأسهل الطرق لمن يريد أن يصل إلى الشهرة والمال، هي الطرق المعبّدة، أو لعل من الأفضل أن أقول الطرق «الملبّدة» بقلة الأدب، لأنه، وعلى سبيل المثال، إن كان الكاتب من المحترمين الذين يكتبون برقي وموضوعية وإنصاف واحترام، فغالباً لن يقرأ له إلا قلة قليلة، أما إن كان من أهل الإسفاف والانحدار، واستخدام الأفكار الفاحشة، والكلمات العارية المتفسخة، واللغة الخليعة، فهو حينها تماماً كهذه الراقصة التي تباهت بسيارتها الفارهة وثرائها الواضح بسبب قلة أدبها، على نجيب محفوظ رائد الأدب!

قرأت لأحدهم على الإنترنت «إذا كنت تكتب لتعيش حياتك بطولها وعرضها، ولتملأ بطنك بكل ما لذّ وطاب، وجيبك بكل ما يُصرف ويُتداول، فتجنّب الصدق، ولا تكتب ما يفيد أو ينفع، اختر أيّ موضوع تافه، أو فكرة سخيفة، أو قصة مثيرة للغريزة، أو فاتحة للشهية. أكتب بأي أسلوب مهترئ متهافت، فلا يهم أسلوبك، ولا عتب على لغتك، ما دمت تكتب موضوعاً لا يمتّ إلى الحق بصلة، ولا إلى الصدق بقُربى»، وهذا كلام صحيح جداً، بل إن هناك صحفاً نعرفها، لكن لا نثق بها طبعاً، تستكتب مَن يحترفون هذا النوع من قلة الأدب، إما ليكونوا مهرّجيها الذين يسلّون قطاعاً عريضاً من جمهورها (العاوز كده)، أو أن يكونوا مخالبها التي تجرح وأنيابها التي تنهش مَن يريدون، وليس رادعاً لهم أن يُحال هذا الكاتب ورئيس التحرير إلى النيابة العامة بعد ذلك، فهي تدرك أن منتهى الأمر غرامة بسيطة لن يُبتَّ في أمرها إلا بعد سنوات، والمال أصلاً وفير في جيوب ملّاك هذه الصحف التي امتلأت بدورها بطرق ملتوية وقليلة الأدب!

لكن من المهم أن أذكر أن «امتهان قلة الأدب» ليس حكراً على الصحافة والكتابة والإعلام وحدها، ففي كل مهنة وحرفة يوجد مجال لها، ولبيع منتجات الضحك على الذقون، يمكن أن نجد ذلك مثلاً في مجالات التسويق والبيع، والعلاج الاجتماعي والنفسي، والتدريب والتعليم، وحتى مجال الطب... نعم الطب!

لي صديق طبيب، يرفض الكشف عن اسمه دوماً لاعتبارات يرفض الخوض فيها أيضاً، يسمي بعض تخصصات الطب بتخصصات «قلة الأدب»، حيث لا توجد معايير أخلاقية ولا ضوابط طبية لما يصح القيام به وما لا يصح، من شفط ونفخ وشد ومد وقطع ولصق «والعملية هايصة ولايصة»، وأن هذه التخصصات تدر دخلاً رهيباً على متخصصيها... «ولا دخل أجدعها جراح عمليات قلب مفتوح»، على حد تعبير الزميل!

وعليه يا سيداتي وسادتي، فمن أراد أن يعيش هكذا، فهذه هي الطريق واضحة لا مجال للتيه عنها، كما أدركت الراقصة في أول المقال، ومن أراد طريق الصدق والمُثُل والأخلاق، فلا يتضايق إن صار خبزه جافاً شيئاً ما، وسيارته متهالكة كسيارة نجيب محفوظ!

back to top